ليس دفاعا عن حرية النشر بل من أجل حرية العقل/ نواف عثامنة
أن يضطر محرر صحيفة فصل المقال للاستقالة (مجبرا لا بطل)، فهذه حالة تعكس بؤس حالة مجتمعنا والضحالة الثقافية التي نعيشها، أما أن يقوم حزبه بإصدار بيان يتنكر فيه لمحرر الصحيفة الناطقة باسمه فهي حالة من التخاذل والتملق (رحم الله ميكيافلي وأميره).
كان حزب التجمع بسلوكه هذا قد دفع الزميل علاء حليحل للاستقالة بأعقاب نشر مقالته “كابوس اسمه رمضان” بتاريخ 22.08.2008 في فصل المقال. وجاء ذلك متزامنا مع حملة تطاول شرسة قادتها الحركة الإسلامية حيث وصلت بها الوقاحة المطالبة بإقالة علاء حيلحل. فمهما كان مضمون وأسلوب مقالة حليحل، لا يحق لأي كان المطالبة بصلبه وجلده. فحرية الرأي فوق “حساسية” الحركة الإسلامية وأهم من تشنجاتها.
لا أكتب هذا المقال دفاعا عن “حرية النشر” رغم أهميتها، بل دفاعا عن حرية العقل. فمقالة الزميل علاء حليحل تقع ضمن الحريات الطبيعية الثابتة التي لا يجوز المساس بها بأي ذريعة كانت. وخاصة أنها تعبر في مضمونها عن موقف صادق وصحيح لا يختلف عليه عاقلان. وهي صرخة الم واحتجاج عما أقحم عنوة وزورا على شهر الفضيلة المبارك. وردت في المقالة بعض التعابير غير الموفقة، كان حري به عدم استعمالها. كما تضمن المقال تعابير استعلائية مرفوضة. ولكنها تبقى تعابير هامشية غثة لا تلغي سمنة وصدقية المضمون، ولا يجوز استغلالها شماعة نعلق عليها جهلنا وتخلفنا لشن هجمة تحريض وتكفير.
موقف الحركة الإسلامية لم يكن مفاجئا، وخاصة وأننا قد خبرنا على مدار عدة سنين حملاتها المعادية لكل ما هو تقدمي ومتنور. أما المفاجئ والمخيب للآمال، فهو موقف وسلوك حزب التجمع؛ هذا الحزب الذي يطرح نفسه حزبا ديمقراطيا ليبراليا وعلمانيا، يحمل برنامج تحرر نهضوي. فبدل الوقوف مع محرر الناطقة بلسان حال الحزب والدفاع عن الموقف السليم، فضل التجمع نشر بيان أقل ما يقال فيه أنه متخاذل ومهادن. أما إن لم يكن هذا الموقف مفاجئا بل يعبر عن موقف التجمع، فهنا الطامة الكبرى. في هذه الحالة يكون التجمع قد خان رفاقه وتنكر لرسالته هو.
إن ما طرحه الزميل علاء حليحل في مقالته، هو في صميمه دفاع عن شهر الفضيلة وعن أهدافه. من يسيء حقا لهذا الشهر، هم أولائك المبذرون والمسرفون والمتباهون بكروشهم.
شهر رمضان المبارك هو شهر التواضع والتقشف والإيمان. وفي هذا السياق صدق الزميل علاء حليحل بنقده لما أُقحم علي شهر رمضان زورا وبهتانا من عادات أفرغته من مضمونه وأفسدت رسالته. ثمة جملة أو اثنتان في مقالة حليحل كان من الضروري الاستغناء عنهما، لما تتضمنه من مس بمشاعر الصائمين، الأمر الذي يجب ادانته. ما عدا ذلك فكل ما ورد في المقال صحيح وعلى كل مؤمن عاقل أن يتبناه.
وعطفا على ما ذكر في مقالة علاء حليحل نذكر أن أمتنا العربية من محيطها إلى خليجها تتربع على أسفل درجات الإنتاج، تعاني من الفقر ومن الجهل. وكان حريا بها استغلال شهر الفضيلة لمراجعة الذات والبحث عن طرق لإصلاح حالها. لكن الواقع عكس ذلك تماما. فبدل معالجة الأمية المستشرية في هذه الأمة، يتم استغلال رمضان لتعميقها. فخلال هذا الشهر وبسبب “توقيت رمضان” يخسر بناتنا وأبناؤنا نحو نصف يومهم الدراسي. فما علاقة ذلك برمضان، لماذا يجب أن يبدأ اليوم الدراسي الساعة الثامنة والنصف أو التاسعة وينتهي الساعة الثانية عشر ونصف؟ اليس في هذا مساهمة في الجهل والتجهيل؟ والشيء ذاته بما يتعلق بيوم العمل. فهل نحن في وفرة من الإنتاج حتى نسمح لأنفسنا بخسارة نصف شهر العمل خلال رمضان؟ أليس في هذا التصرف تشجيع للكسل، والسلبية والاتكالية؟
وبما أننا أمام هذا التشويه الذي اعترى شهر رمضان، وما دمنا لا نستطيع تخليصه من الشوائب وإعادة مضمونه الأصلي إليه، فأضعف الإيمان أن يكون بيننا من يجرؤ على قول كلمة حق.
(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 12 أيلول 2008)