ألبوم خالد جبران الجديد: جسر إلى الكشف

“بريدج” (جسر) هو العنوان الذي اختاره الموسيقيّ خالد جبران للألبوم الجديد الذي يصدر بتوزيعه، مختارًا فيه ثمانية ألحان معروفة وغير معروفة للجمهور ليُمعن فيها توزيعًا وإعدادًا جَعَلا الاستماع إلى هذا الألبوم رحلة اكتشاف جديدة لهذه الألحان، لهذه الأغنيات.

فالاستماع إلى “مرسال المراسيل” (ألحان فيلمون وهبة) أو “لا عيوني غريبة” (ألحان وديع الصافي) في هذا الألبوم لا يعادل الاستماع إليها مُغنّاة من فيروز والصافي؛ فجُبران يُخرج هذين اللحنين من رتابة ما قد أسمّيه “الحبّ العاديّ” للألحان وللأغاني المألوفة والمُحبَّبة، نسمعها في البيت أو في السيارة أو أثناء حفلة عرس، ويأخذهما إلى منطقة “الحبّ الكشّاف” (إغفروا لي فلسفتي المصطلحيّة)، أي ذاك الحبّ الكامن فيكَ (عن معرفة سابقة) إلا أنه يكشف وينكشف من جديد، وهو بهذا يُنسيك “الحبّ العادي” الأول.

هذه فعلة ليست بالهيّنة في أيامنا هذه، التي تحكمها الرتابة، رغم وهم التعددية الإعلامية والمضمونية الهائلة (كم موقع إنترنت وقناة تلفزيونية يمكن للمرء أن يشاهد في اليوم؟). وبالتالي، فإنّ ما يمكث في هذا الألبوم، ما يجعله غير عاديّ وجديرًا بالتأمل والالتفات، هو خروجه على الرّوتين والمألوف، إن كان من ناحية اختيار المقطوعات وإن كان من ناحية وضع توزيعاتها الجديدة.

وعدا عن المقطوعتين سابقتي الذكر، ففي الألبوم ستّ مقطوعات أخرى هي: “شدّ الحزام” لسيد درويش؛ “إم الخلخال” لمنير بشير؛ “يا ميت مسا” (فولكلور)؛ “واه حبيبي” لجيوفاني بيرغوليزي؛ “سماعي شدّ عربان” لجميل الطنبوري؛ و”ارتجال” لخالد جبران. ما يُميّز هذه الاختيارات هو أنها غير “تجارية”، أي أنها غير معروفة لعامة الناس -وأنا منهم- في الموسيقى. فـ “يا ميت مسا” و”سماعي شدّ عربان”، مثلا، لا تقولان لي شيئًا كإنسان غير مثقف موسيقيًّا، ولكنّ الاستماع إليهما في سياق هذا الألبوم يجعلانهما جزءًا من عمل متكامل أتكئ فيه على ما أعرف وعلى ذاك الذي يتكشف لي أثناء الاستماع.

وأنا قد استمعت إلى الألبوم هنا (يعني فلسطين التاريخية) وفي القاهرة، حيث أردتُ أن أختبر تأثير المكان على الاستماع، خصوصًا وأنّ التوزيع الموسيقي في الألبوم يطغى عليه الطابع المصريّ الجميل المتجسد في الأكورديون والكولة (المزمار المصري من عائلة الناي) والربابة. ومن محاسن هذا الألبوم أنني تعرفت على الاسم الحركي لآلة “الكولة” (المزمار- كما كنت أسمّيها جاهلا مَرضيًّا)، وتعرفت عن طريق الإنترنت على بعض عازفيها المشاهير (هكذا كتبوا) أمثال عبدالله حلمي وابراهيم كوالة والمغربي زروال.

هذا الألبوم هو دعوة للخروج عن النصّ، عن النمطيّ والمألوف. إنه بهذا مغامرة شيقة لمن يحبّ كسر الروتين (الموسيقيّ) ومغامرة قد تكون صعبة وشاقة على من لا طاقة لديهم للتعرف على آلة جديدة أو توزيعة جديدة لأمر خبروه- وهم الخاسرون.

(قلتُ إنني استمعتُ إلى الألبوم في القاهرة لكنّني لم أجد القاهرة (التي أحبها حبًّا شديدًا)، لا في الألبوم ولا في القاهرة، فهي غارقة في المستورَد والسّريع، والكولة لا تُسمع فيها ولا الأكورديون ولا الربابة).

(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 14 حزيران 2008)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *