عُلا زيتون “تنخُر” المجتمع بقلم حبر ناشف رخيص
بثماني لوحات في معرض افتتح مساء الأربعاء المنصرم في غاليري فتوش الصغيرة في حيفا تحت عنوان “تنخّر”، تنجح الفنانة علا زيتون في ترسيم ملامح عالم نسائيّ واعٍ لنفسه، لقوّته وضعفه. رسومات تعتمد على العمل بقلم حبر “ناشف” بسيط، تُذكر خطوطه المتراصّة والمتعاقبة بتقنية “التنميش” (Etching) العتيقة. رسومات تلتقط مشهدًا من صورة سريعة، وتحوّله إلى وضعيّة فنيّة خاصّة، محاطة بالبياض الكبير الممتدّ، نازعةً بذلك الشخوص والحدث من سياق الزمن والمكان- أيِّ زمان ومكان. كأنّ زيتون تتعامل مع الشخصيات النسائيّة باعتبارهنّ “حاضرات- غائبات”؛ شعور بالاغتراب يتأتّى من حذف السياق الزمكانيّ، كأنّ النساء في الأعمال يُحلّقن في فضاء هلاميّ لا يمكن الارتباط به أو الانتماء إليه.
وهو ما أشير إليه في النصّ المرافق للمعرض: ““التنخر” عبارة عن إصابة في الخلايا لعضو معيّن يؤدّي إلى الموت المُبكِر لهذه الخلايا في الأنسجة الحيّة من خلال الانحلال الذاتي”. ويبرز هذا “الموت” في الأعمال عبر ثيمة المحو والشطب: محو السياق المحيط؛ استخدام التيبيكس لتلوين فستان العروس بالأبيض؛ محو الوجوه باللون الذهبيّ الأكمد الذي يُفقد النساء أيّ ملامح خاصّة. عمليّة تغريب وإقصاء للحضور العينيّ في عدّة مستويات، خصوصًا في سياق اللون الذهبيّ: “يتم تسويق القناع الذهبي كسلعة تجميلية تعيد بناء البشرة. في ثقافات أخرى يرتبط القناع الذهبي بالموت. فالنساء يظهرن كما لو أنهن أحياء ولكنهم يبدون كأموات، لا يعشن كما يشأن، وقد قتلت أحلامهن ورغباتهن”.
وفي المعرض عملان اثنان يمثّلان عُريًا نسائيًّا غير دارج في الفنّ الفلسطينيّ: أولًا لأنّ العري ليس ثيمة دارجة كثيرًا، وثانيًا لأنّ هذا العري في العمليْن ليس Nudity، أي العُري الفنّي الذي يستحضر الجسد الأنثويّ في ضمن سياق أفلاطونيّ مثاليّ الجمال، بل هو عري Naked، أي عري ترابيّ، غير مثاليّ، يستحضر الجسد في وضعيات “غير مثالية” أو “تأليهيّة”، ومن دون معالجة لونيّة تضفي عليه مسحة من وقار أو “رُقيّ” مفتعليْن. رسمتان لجسد امرأة تنام مرةً على ظهرها رافعة رجليها للأعلى ومرة تنحني للأمام على ركبتيها ووجهها المطليّ بالذهب يُطل من عند طرف كتفها. وعلى الفرج بقعة سوداء طويلة تُغطي العضو الأنثويّ في عملية محو ذات دلالات مفتوحة للتأويل.
في باقي الأعمال وضعيات يوميّة وكأنّها عاديّة لشخصيات نسائيّة، معظمها في وضعيّات “بيتيّة” لها علاقة بالطعام والقهوة وروتين “الحَرَملك”. ذلك الحيّز الشرقيّ العتيق الذي يُحيل إلى الحيّز المتاح للنساء في ضمن اللعبة الهرميّة البطريركيّة التقليديّة. وهذا “الحرملك” بعيد رغم قربه، معدوم التفاصيل والهوية الشخصيّة، يختبئ وراء حجاب من ذهب كقفص ذهبيّ كئيب.
يطرح معرض “تنخّر” قدرة فنيّة بارزة وعالية التقنيّة، تعيش بانسياب وقوّة مع عالم المضامين المطروحة فيه، وهو بذلك معرض قويّ وذو حضور لافت، رغم “تواضعه” الكمّيّ وصغر مقاييس لوحاته.