أحمد زكي: لا، لم يمت
علاء حليحل
نحن (جيلي) كبرنا وبلغنا على شخصية أحمد زكي. أحببتُه لأنه فنان مع مقولة ومع رسالة. ربما لم تحبّوه في فيلم “أيام السادات” ولكن لا بأس، فمن حقه أن يقدم الأدوار التي يريد، من دون أن يجري استفتاءً شعبيًا بين المشاهدين إذا ما كانوا يحبون الشخصية الرئيسة أم لا.
وقد نجح أحمد زكي وبجدارة في أن يعيد صورة البطل السينمائي في مصر إلى هويتها الأصلية: الفتى الأسمر، البلدي، الظلف أحيانًا، الشرقي عُنوة، وانتزع البطولة المطلقة من حسين فهمي “البلوند” وأمثاله من نجوم “الملامح الغربية” الذين حالوا تقليد النجومية الغربية معتمدين على تسريحة الشعر ولون العينين- من دون التقليل من شأن حسين فهمي أو غيره. إلى جانب زكي ومعه وبمساعدته (غير المباشرة) نجح عادل إمام أيضًا في فرض معايير نجومية غير تقليدية في أية سينما: وجه غير جميل (كأقل ما يُقال) وكرش عنيدة.
لأحمد زكي أسهم كبيرة وعظيمة في السينما المصرية- على الرغم من محدوديتها الاجتماعية والفنية والسياسية. من أدّى دور الضابط في فيلم “زوجة رجل مهم” (والصحيح لغويًا: رجل هام) لا يمكن إلا أن يكون ممثلا بارعًا مع رسالة. وقلما نجد مثلهم اليوم. ومع أنّ دور جمال عبد الناصر الذي لعبه زكي في “ناصر 56” هو دور تقليدي، سطحي وغير مُجدّد في أدائه وعرضه للشخصية، إلا أنه يظل الوحيد الذي دفع باتجاه فيلم روائي عن جمال عبد الناصر، في عصر العهر والراقصات والعائبات (من الرجال بالأساس).
قد يسأل البعض عن الضجة حول مرض “ممثل سينما” وترقب نزاعه مع الموت بهذه الأهمية والحرص. من يسأل ذلك فهو إنسان سطحي غير مدرك لأهمية السينما في بلورة الشعوب وثقافتها. وفي ضوء مشهد “الأبطال” السائد اليوم سيُفتقد زكي وأبناء جيله الملتزمين كما في الليلة الظلماء. في فيلم “زوجة رجل مهم” يسأل ضابط المخابرات (زكي) زوجته (ميرفت أمين) وهي تبكي على موت عبد الحليم حافظ: “كلّ دَه عشان واحد بغني؟” هذا السؤال لا يُمكن أن يُسأل أبدًا عن أحمد زكي.
تذكروا أفلامه (وشاهدوها إذا استطعتم) وستفهمون: “إسكندريه ليه”، “الباطنية”، “البرنس”، “الراقصة والطبال”، “البيه البواب”، “أحلام هند وكاميليا”، “سواق الهانم”، “الهروب” وغيرها كثير.
أحمد زكي نجم انطفأ ولا يبدو أنّ نجمًا آخر في أيامنا سيملأ مكانه.
(نشرت هذه المادة في موقع ’عرب48’’ بتاريخ 27 آذار 2005)