النقد الخائف/ زياد خدّاش
زياد خدّاش
لو سألت ناقدا من فلسطين عن أهم روائيي فلسطين سيجيبك بالضبط كالتالي: إميل حبيي، غسان كنفاني، جبرا إبراهيم جبرا، يحيى يخلف، رشاد أبوشاور، وحين تسأله عن أهم قصّاصي فلسطين سيجيبك: خليل بيدس، محمد علي طه، محمود شقير، أكرم هنية، ولو سألته عن شعراء فلسطين، سيجيبك: غسان زقطان، زكريا محمد، محمد القيسى، أحمد دحبور.
النقد الفلسطيني الخائف لن يذكر أسماء جديدة ظهرت على الساحة الإبداعية في السنوات الأخيرة، كالروائيين أكرم مسلم، ووليد الشيخ، ومايا أبو الحيات، وآخرين، النقد الخائف لن يجرؤ على ذكر أسماء شعراء وشاعرات جدد كفارس سباعنة، وفاتنة الغرة، ومحمود ماضي، وأحمد الأشقر، وطارق العربي، وطارق الكرمي وأشرف الزغل، واسماء عزايزة، وآخرين كثيرين النقد المتقوقع على ذاته وخطابه القديم لن يرى بعينيه الضيقتين والمشوشتين أسماء قصاصين جدد كجمال القواسمي، علاء حليحل، وإسماعيل الناشف، وأسماء الغول، وإياد برغوثي وآخرين، لايزال نقدنا الأدبي الفلسطيني، وهو بالمناسبة باهت وكسول، واقفاً عند أسماء كبيرة، بعضها لايزال يبدع، وبعضها توقف بسبب وفاة أو شيخوخة أدبية.
لماذا يخاف نقد فلسطين؟ هل لأنه كسول وعجوز وعاجز عن اكتشاف أصوات جديدة، بحكم ترهل أدواته، واهتراء لغته، وعدم انفتاحه على فضاءات الإبداع العالمية، واستنفاده لروحه ونضارته؟ من السهل عند نقدنا الخائف إعادة الحديث عن عالم جبرا أو إميل أو القيسي، لكن هناك صعوبة بالغة في مقاربة صوت أدبي جديد، يقدم خطاباً أدبياً جديداً بجماليات وتقنيات غير مطروقة، ولغة مختلفة، ومعمار فني طازج، ومبتكر، هذا يحتاج إلى ثقافة وشجاعة معرفية مختلفة ومواكبة حرة وذكية لآخر تطورات الكتابة الأدبية والنقدية العالمية، وهذا تماماً ما ينقص نقدنا الفلسطيني الذي لايزال يجتر أدواته ومقارباته لنصوص الأسماء نفسها التي قُتلت بحثاً ومعالجة، فالحياة الأدبية ليست فقط نصوصاً وكتابات، إنها نقد ومكاشفات وتحليل ومراجعات وأسئلة ومقاربات، و لا أدري كيف يمكن أن تنتعش حياة ثقافية فلسطينية من دون نقد حيوي وشاب وشجاع، هل المسألة مرتبطة بالمناخ الوطني المملوء بالتشويش والهزائم والالتباسات في الهوية والمستقبل؟
فلسطين الآن بلا اتحاد كتّاب فاعل بشكل حقيقي، بلا وزارة ثقافة جادة ومسؤولة، بلا مجلة أدبية أو ثقافية تعنى بشؤون الكتابة والنقد، بلا دور نشر ترأف بأوضاع الأدباء، بلا مكتبة وطنية، بلا مسرح قومي، بلا قاعة عرض سينمائي، تشرف عليها الهيئات الرسمية، وتجنبها ويلات الدعم الأجنبي وأغراضه المشبوهة، فلسطين بلا فرقة رقص أو مسرح مدعومة، فلسطين فنياً وأدبياً عارية تماما ومتروكة للريح والدعم الأجنبي المرتبط بشروط خطرة جداً، فكيف يمكن للنقد الشجاع والناصع والطازج أن يحضر وسط هذه البيئة الموبوءة بالترهل والخيبات والانقطاعات والضعف؟ ذلك يمكن إن خرج علينا وإلينا ذلك الصعلوك المنتظر كالعاصفة الذي سيتحدى كل هذا الخواء، ليملأ حياتنا الإبداعية قوة وامتلاءات وبدايات جديدة ووعياً صافياً.
(نشر هذا المقال يوم 16 تموز 2013 في جريدة الأيام الفلسطينية)