ثورة على التكلّس
نحن ندعم أحزابنا العربية. دعمناها وندعمها ونصوّت لها وندعو للتصويت لها. لذلك يحقّ لنا أن نحاسبها وبشدّة. وإذا لم تتقوّموا مثل عُمر الذي تحبّون اقتباسه فسنعاقبكم. لن نصوّت لكم. سنروّج لحملة مقاطعة ضدّ كلّ حزب متكلس لا يتجدّد. هذه القوة الوحيدة التي نملكها
علاء حليحل
الآن، على القوائم العربية التي خاضت الانتخابات أن تصوّت لنا، نحن المُصوّتين. نحن ندعمها منذ يومها الأول ونتغاضى عن السّلبيات والأداء المتعثر، لكن من غير المؤكّد أن نخرج ثانية بجحافلنا بين السّابعة والتاسعة مساءً ليلة التصويت، بعد “دبّة الصُوت” بالميكروفونات: اليمين سيأكلنا فصوّتوا لنا.
يجب على الأحزاب العربية أن تتجدّد، لا بأهازيج الانتخابات السّريعة والفيديوهات الذكية، بل في قياداتها أولاً وفي أدائها الجّاري وانتقالها من ردّة الفعل إلى الفعل، ثانيًا. فلنبدأ بالمطلب الأول من أحزابنا: محمد بركة وجمال زحالقة وإبراهيم صرصور وأحمد الطيبي وطلب الصّانع: كفى! يعطيكوا العافية. فلتكُن هذه آخر فترة لكم في الكنيست ورجاءً أخلوا مقاعدكم لغيركم. نحن لا نصدّق مقولات “الحزب بَدّوا” و”أنا لا أنوي الترشح ولكن الرفاق والأخوة يُصرّون على بقائي” (ويتعربشون بكُمّ البدلة). هذه مقولات كاذبة. لقد ولى عصر النجوميات السياسية وعصر المؤسّسين القدامى. توفيق طوبي وتوفيق زياد وعزمي بشارة هم ظواهر استثنائية لن تتكرّر. أعرف أنّ هذه الجملة تؤلمكم في الصّميم ولكن ما العمل وأنتم تضطرّوننا لقولها بصراحة: لا مبرّر لهذا التكلّس على المقاعد، لا من ناحية إنجازات حقيقية ولا من ناحية أداء جماهيريّ وقياديّ. الشعور السّائد لدى الكثيرين اليوم أننا بلا قيادة. قسط كبير من جهودكم مُوجَّه إلى التناحرات الداخلية بينكم. لو رغبنا في التفرّج على فائض التوستسترون الذكوريّ هذا لاشترينا تذاكر لمباراة ملاكمة.
نحن ندعم أحزابنا العربية. دعمناها وندعمها ونصوّت لها وندعو للتصويت لها. لذلك يحقّ لنا أن نحاسبها وبشدّة. وإذا لم تتقوّموا مثل عُمر الذي تحبّون اقتباسه فسنعاقبكم. لن نصوّت لكم. سنروّج لحملة مقاطعة ضدّ كلّ حزب متكلس لا يتجدّد. هذه القوة الوحيدة التي نملكها: صوتنا في الصّندوق. نلاطم بها مخرز اليمين ويمكننا أن نسحب بها البساط من تحت أقدامكم. هذا ليس تهديدًا بالمرّة. نحن جزء منكم وأنتم جزء منا. تشكّلتم على شاكلتنا، تلوّنتم بألواننا، ونحن إذ نسعى لتغييركم فإننا نسعى إلى إنقاذ أنفسنا من هلاك مؤكّد.
أحدهم قال لي إنّ السياسيين اليهود أيضًا يلتصقون بكراسي القيادة. هذا صحيح ولكن المقارنة ليست في مكانها: هناك يكونون وزراء ورؤساء وزراء ومؤثرين جدًا ويشعر الناخب بتأثيرهم المباشر على حياته فيصوّت لهم مُجددًا. أما أحزاب معارضة أزلية مثل أحزابنا فكلّ إنجازاتها في المعارضة تستند إلى الدعم الأخلاقي من مصوّتيها لها في هذه المهمة السّيزيفية، فلا تستطيع أن تتكلّس وتهرم في كراسي المعارضة، فيتوقف الدّعم عندها لأنّ المُصوّت والمُصوّتة سيريان في هذه القيادة مخاتيرَ جُددًا ببدلات عصرية وآيفونات وغبار يتصاعد من التصريحات، ولكن بلا إنجازات هامّة.
المطلب الثاني الهام تُشتقّ منه تغييرات كثيرة وعديدة لأنه جوهريّ حتى النخاع: الخروج من دائرة ردّ الفعل إلى الفعل والمبادرة. الفرق شاسع وهائل. بدلا من صفّ بيانات الاستنكار وترويج ما قاله النائب في جلسة الكنيست، يجب على الأداء البرلماني والشعبي أن يُبنى على خطة سنوية تُشخّص المشاكل الحارقة وتبدأ بطرح علاج لها، خارج التطورات السياسية اليومية. العنف الداخلي يزيد خطورة عن ليبرمان مثلا. من لا يرى هذا فهو إنسان ضيّق الأفق أو متهرّب. يجب أن نقيّم واقعنا بشجاعة وأن نعيد ترتيب أولوياتنا بلا خوف. كلّ انشغال أحزابنا بموضوع العنف الداخلي السرطاني جرى حتى الآن عبر الوسائل الكلاسيكية الممجوجة: بيان، استنكار، استجواب وربما مظاهرة خجولة. ما هذا؟ ما هذا التحجّر والتقهقر والتخلف الأدائي؟ هكذا نواجه واقعًا كالذي نعيشه؟ هل الكوادر لا تصلح إلا للانتخابات؟ وعلى هذا قسْ.
دائرة الفعل والمبادرة تستوجب تغييرًا جذريًا في أنماط التفكير: أعفونا رجاءً من أوتوماتيكية الإضرابات والمظاهرات والمسيرات التي لا تعرفون غيرها ولم تتعلموا غيرها. الإضراب بات يضرُّنا نحن فقط على المستوى الاقتصاديّ؛ فالدولة تغيّرت ولم يعد العامل العربي يحملها على كاهليه مثل السّابق، فترتجف تل أبيب إذا أضربت الطيبة. لماذا يجب إحياء النكبة ويوم الأرض بمثل هذه المحدودية المنغلقة؟ أين الثقافة والفن والأدب والإبداع بكلّ مستوياته؟ أين أفكار إحياء يوم النكبة بنشاطات شاملة في قرانا ومدننا تتمحور في قضايا معيشية مصيرية لها ارتباط تاريخي بالنكبة؟ الوضع مُعقّد ومُركّب وبحاجة لأنماط عمل وتفكير خلاقيْن. وأنتم قد حصلتم على فرصتكم في فعل هذا وفشلتم. “دبّة الصُوت” في كلّ مساء انتخابات هي بصقة في وجوهكم ووجوهنا على السّواء.
أخواتي المُصوّتات، أخوتي المُصوّتين: نحن أقوياء. يجب أن نستردّ قوتنا. لا يجب أن نظلّ أسيري “المسؤولية الوطنية” و”الدّور النضالي” و”مواجهة الإقصاء اليمينيّ”. نحن بشر واعُون ولا يمكن أن نظلّ صامتين مقابل هذه التّخديرات الجّوفاء. نعرف أنّ الشقّ الثاني للمسألة هو إسرائيل وصهيونيتها وعنصريتها، ولكن الجميع يفضّل الكتابة عن هذا السّهل غير الممتنع، ولذلك لم أكتب عنه هنا. قولوا لهم ببساطة: من لا يتجدّد فليتساقط مثل أوراق الخريف. أرض فلسطين خصبة وستنبت منها أشجار أخرى خضراء ويانعة.
(نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 25 كانون الثاني 2013)