جابر عصفور: الشريط الأخير
كيف أخطأتُ هكذا؟ هل حقاً كنت مقتنعاً بالتغيير من الداخل؟ الآن، بعدما حققتُ حلماً راودني أطولَ من اللازم بسبب الوزير السّابق التشكيليّ؟ أين القهوة؟ هذا آخر فنجان وزاريّ لي. أين المصوّر في هذه اللحظة التاريخية؟ ألا يوجد مصوّر لكلّ وزير؟
علاء حليحل
ما الذي يريده منّي أبناء الكلبة؟ سأسلّم السكرتيرة نصّ الاستقالة عندما تدخل بفنجان القهوة. ستأخذ الورقتين ويعلم الله إلى من ستبعث بهما. هذه وزارة حقيرة، مليئة بأعوان المثقفين. من قال إنّ وزارة الثقافة يجب أن تكون ملأى بالمثقفين وأعوانهم؟ يكفي وزير ثقافة مثقف مثلي والباقي تفاصيل. هكذا، بأسلوب عصريّ رشيق، بلا بيروقراطية وبلا تخلّف شرقي مُحبط. الحداثة ـــــ هذا ما يجب أن يكون الآن وليس تظاهرات غوغائية في الشوارع!
سأكتب مقالة عن هذا. بين الحداثة والغوغائية. وسأسأل بثقة وبوضوح: هل يمكن تحقيق الديموقراطية لشعب لا يعرف ما الحداثة؟
كم من المتظاهرين الآن في الميدان يعرفون ديغا والعقد الاجتماعي وهوكني وفلوبير؟ يتهجمون عليّ لأنني صرت وزيراً. جئت لأنقذهم من الضياع أولاد الوسخة!
سأقدّم الاستقالة وسأقول إنها لأسباب صحية. لا أريد أن أحرج النظام، فربما بقي ولم يرحل. يا إلهي، كم أنا بحاجة إلى فنجان قهوة مزبوط. لقد ضغطت الزر قبل أكثر من دقيقة ولم تأتِ هذه السكرتيرة. يبدو أنها من الشلّة نفسها، شلة المثقفين الذين استقالوا من المجلس الثقافي الأعلى. كلاب! يتركون المجلس احتجاجاً عليّ؟ يريدون أن يتحدّوا بروايتهم الشخصَ الذي أعلن زمن الرواية؟
سأطفئ الموبايل عصر اليوم. سيتّصلون من الصحافة. هؤلاء الملاعين الذين ينقضّون عند أول نقطة دم. أنا؟ يكتبون ضدّي في الملاحق الثقافية في الصحف العربية؟ منذ سنوات لم تتوقف مهاتفاتهم للحصول على لقاء حصريّ معي. الحداثة، هذا ما يلزم صحافتنا العربية اليوم، الحداثة. كيف يمكن أن نؤسّس لديموقراطية جديدة وصحفنا لا تعلم أنّ الحداثة توجب المرونة والعملية والانضمام أحياناً إلى من يمكن عدّهم بسهولة «الأعداء»؟ أنا انضممتُ إلى «الأعداء» كي أغيّر من الداخل. لا، هذا ادّعاء ضعيف. ها أنا أستقيل بعد عشرة أيام. أيّ تغيير هذا؟
أين القهوة؟ سأغادر بعد قليل. سأراجع نصّ الاستقالة. لن أنشرها حالياً. كتبت فيها أموراً نقدية. سأنتظر حين يشتدّ الهجوم بعد يومين أو ثلاثة في الصحف والملاحق والمواقع الثقافية. سأعطيها حصرياً لـ«الحياة». ربما لـ«السفير» أو «الأخبار» في بيروت. لا، يجب أن تكون صحيفة مصرية. «اليوم السابع»؟ لا، «المصري اليوم». عند الناصريين. النشر هناك سيضعني في خانة بعيدة أشدّ البعد عن أيّ اتهام بالوسطية الرمادية.
كيف أخطأتُ هكذا؟ هل حقاً كنت مقتنعاً بالتغيير من الداخل؟ كيف كنت مؤمناً بأنه لن يرحل؟ هكذا، يتهالك ويسقط على دوري أنا؟ أنا المثقف الأكبر؟ الآن، بعدما حققتُ حلماً راودني أطولَ من اللازم بسبب الوزير السّابق التشكيليّ؟ أين القهوة؟ هذا آخر فنجان وزاريّ لي. أين المصوّر في هذه اللحظة التاريخية؟ ألا يوجد مصوّر لكلّ وزير؟
(نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 15 شباط 2011)