الرئيس والموت (أو المحاكمة)
أنظر بلهفة إلى جموع المصريين العظماء وأتساءل: لماذا تريدون طرده؟ أهجموا على القصر، اعتقلوه وقدموه للمحاكمة. دعوا هذا الشيء يمثل للتحقيق وللاعترافات، وليفتح البيانات وقوائم الاختلاسات ومقرات التعذيب ومعلومات النظام كله. لا تجعلوه يرحل؛ أجلسوه على الخازوق
علاء حليحل
منذ أن ثارت ثائرة الأحبة في تونس وهرب الرئيس المخلوع “بؤس العابدين” بن علي، وأنا أفكر في معضلة حقيقية: هل نطالب (هم بالأحرى) بعزل الرئيس وطرده، أم أنّ عليهم المطالبة بالإمساك به، بمحاكمته وعند الحاجة والإثبات- إلى إعدامه؟
فهروب الطاغية يضمن الكثير من الإعفاءات، له ولأزلامه ومعاونيه ومنفذي أوامره وسياساته. لو وُضع المخلوع بن علي مثلا على خازوق التحقيق كما كان يفعل مع التونسيين، لاعترف ربما بجميع الأوامر ومنفذيها، ولكشف عن المقابر وطرق التعذيب والملاحقات وقواعد البيانات والمتعاونين وطرق عمل المخابرات والاختلاسات، وغيرها من الأمور التي أسسها ورعاها من أجل ممارسة طغيانه. عندها سيكون بالإمكان تقديم لوائح اتهام ضد الكثيرين من أزلام النظام، على مستوى وزراء وموظفي أمن واستخبارات وغيرهم، ممن قمعوا شعبًا كاملاً.
والآن، أنظر بلهفة إلى جموع المصريين العظماء وأتساءل: لماذا تريدون طرده؟ أهجموا على القصر، اعتقلوه وقدموه للمحاكمة. دعوا هذا الشيء يمثل للتحقيق وللاعترافات، وليفتح البيانات وقوائم الاختلاسات ومقرات التعذيب ومعلومات النظام كله. لماذا عليه أن يرحل؟ لا تجعلوه يرحل؛ أجلسوه على الخازوق!
ولكنني من جهة أخرى، وهنا المعضلة، لا أعرف أكثر مما يعرفه أهل البلد، ولربما تكون القوى المعارضة وقيادات القوى الشعبية أدرى مني بدهاليز ما يحدث، ولربما يعرفون –أكثر مني- أنّ هذا مستحيل بحكم الكثير من المعطيات، وعليه يظلّ خيار الرحيل والطرد الحل الأكثر واقعية.
وحتى لو اعتقل الرئيس أو معاونيه، ألن يسعى البلد ساعتها إلى صفقة شاملة فيها عفو وطيّ صفحة كي يكون بالإمكان النظر إلى المستقبل؟ هذا ما حدث كثيرًا على مرّ التاريخ، وهذا ما يحدث في مسرحية “العذراء والموت” التي سيعرضها مسرح “الميدان” يوم الجمعة القريب، كجزء من برنامجه الأسبوعي الذي أطلقه أيام الجمعة. ففي هذه المسرحية يكتب آرييل دورفمان التشيلي عن الفترة التي تلت تغييرات سياسية في بلده أطاحت بحكم الدكتاتور بينيشت، وفتحت ملفات التعذيب والقتل على وسعها، مما حدا بتشكيل لجنة قضائية تحقق وتفحص وتقدم لوائح الاتهام، مع الأخذ بعين الاعتبار استحالة تقديم جميع المجرمين إلى المحاكمة.
وهكذا، يجلب رئيس اللجنة المعينة في إحدى الليالي إلى بيته رجلاً أقله إلى بيته بعد تعطل سيارة رئيس اللجنة، لتتعرف زوجته على الرجل الغريب من صوته: إنه الطبيب الذي تحول إلى جلاد واغتصبها في التحقيق مرارًا! وعندها تقرر الزوجة قتل هذا الرجل بدلا من تركه للمحاكمة (التفاصيل والنهاية محفوظة هنا لترك التشويق أمام من يودّ مشاهدة المسرحية).
هل هذا الحل الأمثل؟ لجان تحقيق ومحاكمة لرموز النظام الراحل فقط؟ ألا يمكن ملاحقة ضباط المخابرات مثلا؟ كم عدد المتورطين في مصر مثلا في المخابرات وأمن الدولة؟ عشرة آلاف؟ مئة ألف؟ مليون مصري؟ ماذا سيحدث إذا قُدموا جميعهم إلى المحاكمة؟
أسئلة صعبة للغاية. ولكن يمكن القيام بعمل واحد على الأقل: قبل أن يطلق المتظاهرون سراح مبارك، عليه أن يترك قائمة بجميع الأثرياء الذين نهبوا الشعب المصري. فلتعد النقود على الأقل كي يبنوا بها دولتهم الجديدة.
(نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 1كانون الثاني 2011)