6 ملاحظات على المونديال: “زيكُوكِيم”*
1
الكثيرون يستغربون لماذا أشجع ألمانيا. فهو ليس فريقًا “جذابًا”، “سكسيًا”، لا يوجد فيه أطافيل معجزات ولا نجوم براقة ولا تفتا هندي. ألمانيا؟ يسألون باستهجان، وبدلا من البحث عن جميع حسنات هذا الفريق أفكر بالسبب الأكثر منطقية وطبيعية وغريزية للعبة مثل كرة القدم: أبي يشجع ألمانيا. كانت مباريات المونديال حدثًا في البيت يجمعنا أطفالا في الصالة إلى جانب أبي ويجعلنا نفرح حين يهلل أبي لهدف ألمانيّ، ونحزن حتى البكاء حين يغلق أبي التلفاز ويتنهّد بحسرة: “يحرق دينن”!
أيوجد سبب أفضل من هذا السبب؟ إنه السبب الذي جعلني أحمل أمتعتي وعائلتي عصر أمس وأيمّم شطر الجش كي أشاهد اللعبة الحاسمة التي ستقرّر (في نظري المتواضع) حامل الكأس لهذه السنة. حتى ظرافة وطلاقة ونغاشة دُشة الضاحكة لم تستطع منع أبي من الجلوس أمام التلفاز معي ومشاهدة المباراة. في كلّ مرة كان يخطئ الألمان ضربة أو يفوّتون فرصة أقول بعصبية: “يحرق دينن!” ليتمتم أبي (الصائم المُصلي اليوم): “أستغفر الله”.
2
ومع ذلك: الروح الجماعية، الانضباط، الانضباط، الانضباط. صار الانضباط مَسبّة في زمن “الزيكوكيم” هذا. فالمفترض بـ “الزيكوكيم” التي ينتجونها لنا كلّ سنتين أو ثلاث أن تُرقّصنا لأنّ “الزيكوك” رقص أو نغرّد لأنه ضرب الكرة “سالْطة”. صار الفرد نجمًا ومركزًا في لعبة جماعية، والخطر، كما رأيناه في لعبة الأمس بين الأرجنتين وألمانيا، أن ينهار الفريق حين ينهار النجم. ميسي نجم ورقيّ وليد الساعة، مثار الإعجاب، “زيكوك”، لكنه ليس قائدًا، لا يركض اللاعبون خلفه ويفدونه بعرقهم وجهدهم، خاصة إذا كان يركض كي يلحق حاله بهدف يتيم في المونديال حفظًا لماء وجهه (وعقود عمله مع النوادي الأوروبية).
في ألمانيا يوجد قائد: يواخيم، المدرب. توجد هرمية، احترام للجهد الجماعي، الإخلاص للهدف، كتفًا إلى جانب كتف. قد لا يكون كلوزه وميلر ومان وغيرهم “جذابين” و”سكسيين” و”نغشين” مثل ميسي وروني وبكهام وغيرهم من فطريات النجومية السابقة والراهنة والآتية، إلا أنهم يتقنون أمرًا واحدًا أساسيًا: الانضباط والطاعة. لهذا أحبّهم. أنا في النهاية إنسان “مربّع”، أومن بالهرمية والانضباط واحترام الهدف والطريق. لا أومن بالفوضوية الطفولية ولا برومانسية البطل الذي سيأتي من أول الملعب إلى آخره، هائمًا بنفسه، يطير على أثير نفسه، ليثبت نفسه، أمام نفسه (والعالم).
3
راهنتُ بيني وبين نفسي على أنّ لعبة الأرجنتين وألمانيا ستكون لعبة “الأرجنتين أو ألمانيا”: لعبة طاحنة، بلا تسويات، بلا حَسمسات. ولم يكن من الطبيعيّ أن يتوقع مشجع لفريق يحبه أن يكون هذا الفريق طرفًا مطحونًا في مثل هذه المعادلة، ولكنني توقعت أن ينهار الفريق الألماني كما انهار الأرجنتيني، في حال غيروا من مفهومهم للّعبة في مواجهة ميسي ومرادونا. كانت هذه خشيتي الكبرى ولكنها لم تتحقق. يواخيم: خليك هيك.
4
المشجعون غوغائيون، متحمّسون، غير منطقيين، غير عقلانيين ولذلك فإنهم لا يرون العمود الذي في عيون فرقهم، يعتقدون أنها “ميسي ولو طارت”. من حقّ كلّ مشجع أن يدافع عن معبوده، عن مثاله، عن “زيكوكه”، ولكن رجاءً تـَفـْتِفـوا التنظيرات على خيبتكم بعيدًا عنا. قبل ثلاثة أيام إنهارت البرازيل (فطريات نجومية أخرى) تحت أقدام الهولنديين. في عكا، حيث أسكن، يحبون البرازيل. يحبونها إلى درجة أنّ بعضهم خرجوا يصرخون إلى الشارع، ثم تناول أحد المشجعين البرازيليين المتفحمين علم البرازيل وأخذ يمزقه وهو يصرخ بأعلى صوته: “ولكو أنا برازيلي! ولكو أنا برازيلي!”
المشجعون لا يفقهون الكثير، خصوصًا القدامى وأصحاب المعرفة والإحصائيات وساعات المشاهدة اللانهائية. أقول هذا كمشجِّع موسمي يستيقظ من سباته في كلّ أربع سنوات ليشجّع فريقه الألمانيّ في المونديال، ثم يعود إلى شؤونه البعيدة عن كرة القدم. ويخلف على حماي أبو حمّوده الذي يأتي عندنا أحيانًا لمتابعة ألعاب فريقه المفضل برشلونة (وميسي طبعًا) ويفقعني محاضرات لا نهائية عن حبيبه الأرجنتيني الذي مَغطوه بالقوة كي يَطوَل قليلاً. رأيت ميسي في لحظاته الكبيرة، الخلابة في مباريات برشلونة، ولكنني رأيته أيضًا في الأسفل، في القاع السحيقة، واستطعت أن أفرّق بين الحالتيْن.
لا أدّعي أنني أكثر ذكاءً من غيري، ولكنني لست مُلوّثًا، لا أجمع الأخبار والعناوين كلّ يوم، لسنين طويلة، كي أثبت أمرًا أريد إثباته بأيّ ثمن: “كاكا ولو طارت”. عندما لعبت ألمانيا مع غانا شتمتُ فريقي وانتقدته؛ لقد لعبوا بشكل سيء ومهين وغبيّ، تمامًا كما لعبت الأرجنتين أمس مع ألمانيا.
5
البرازيل ونجومه لا يقلون تفاهة عن الأرجنتين ونجومها، ولكنّ مشجعي البرازيل (متأسف على التعميم) غوغائيون أكثر من أيّ مشجعين آخرين. لماذا؟ لأنهم يلوكون عنجهيتهم التي تتحطم سنة بعد سنة، وهم يعتقدون أنهم يلوكون شوكولاتة سويسرية. ما يشبه “الجقارة بطيزي بشخّ بكلسوني” (متأسف على الفظاظة).
6
أعتقد أنّ ألمانيا ستفوز بكأس العالم. إذا حدث ولم تفز فسأحزن كثيرًا، وإذا خسرتْ بسبب غبائها فإنني سأشتمها مثلكم. فأنا لست أعمى ألوان العلم الألماني.
* إلى قارئات وقراء المدونة من أرجاء العالم العربي (وهم كُثرُ حسب برنامج العدّ والإحصاء في المدونة): “زيكوكيم” كلمة عبرية تعني المفرقعات النارية، ومفردها “زيكوك”، أي مُفرقع ناريّ، سريع الاشتعال، سريع الانطفاء.
(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 4 تموز 2010)