هل يجب إخلاء المستوطنات
أصحاب النضال أنفسهم عليهم أن يهتموا أيضًا بمصالحهم وعدم القبول مسبقًا بالفرضية القائلة إنّ تحرير أراض مصادرة في المناطق المحتلة أهمّ وأسمى من الحفاظ على أراضي باقة الغربية وجت
علاء حليحل
إذا انطلقت فعلا دورة جديدة من المفاوضات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، فيجب علينا، مواطني الدولة الفلسطينيين، أن نتعامل مع هذه المفاوضات في هذه المرة كشركاء أو معارضين بشكل تام، وليس كمشاهدين. فهذه المفاوضات تتعلق بنا وبوجودنا هنا وهي هامّة لنا بما لا يقلّ عن سائر أجزاء الشعب الفلسطينيّ. نجاح هذه المفاوضات سيضعنا أمام واقع جديد يُلزمنا بتغييرات جذريّة، وإذا فشلت فسنضطر عندها لمواجهة نتائج هذا الفشل.
ثمة مسألتان أساسيتان تتعلقان بوجودنا وبقائنا في الجليل والمثلث والنقب: الأولى تكمن في أنّ إسرائيل ستحظى باعتراف دوليّ كدولة يهودية، والمسألة الثانية تتمحور في إخلاء المستوطنات. المسألتان متعلقتان الواحدة بالأخرى. ففي حال توقيع اتفاقية حقًا بين السلطة الفلسطينية ودولة إسرائيل، وتحوُّل يهودية الدولة إلى حقيقة وأمر واقع، فإنّ علينا وقتها أن نجابه بداية عملية مضنية وربما مشحونة وعنيفة بيننا وبين الدولة اليهودية المكفولة.
ومن المرجّح جدًا أنّ يكون الردّ الفوريّ عندها على أيّ مطلب مدنيّ عربيّ هنا: إذهبوا لممارسة هويتكم القومية في دولتكم الجديدة. هكذا، سينخفض سقف التقبل الجماهيريّ (اليهوديّ) لمطالب وحقوق العرب هنا وسيكون متدنيًا أكثر من ذي قبل. الشعب الإسرائيليّ سيودّ العيش براحة وطمأنينة، بعد أن قام –بحسب مداركه- بالتخلص من الشظية التي في مؤخرّته للأبد.
إنّ “إنهاء الصراع” مع السلطة الفلسطينية يشكل بداية صراع جديد في داخل إسرائيل. عشرات الآلاف من المستوطنين الذين سيتركون المستوطنات برضاهم أو بالقوة، سيصلون إلى لُبّ وجوهر وجودنا. حتى اليوم، تجد الجمعيات التي تسعى من أجل زرع المستوطنات المسيحانية المتدينة في “المدن المختلطة” وعند خطوط التماس بين البلدات العربية واليهودية في داخل حدود الدولة: في عكا واللد والرملة وغيرها. في حال أُخليت المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، سنستقبل عشرات آلاف المستوطنين الذين سيسعون لتهويد دولة اليهود من الداخل. وهناك من يقدّرون، أنّ الكثيرين من المستوطنين سيتركون البلد في حال إخلائهم بالقوة لأنهم لا يستطيعون العيش بعيدًا عن بساتين وحقول النبي صالح ونعلين. لقد اعتادوا على احتضان الأشجار هناك (قبل إحراقها). التيار المسيحانيّ، المُجنّد، سيرغب في ضرب جذور له بين سخنين وعرابة، بين الناصرة وكفر كنا.
الحقيقة أنّ هذا لم يكن ليكون أمرًا ذا بال في دولة سويّة، شريطة أن يكون بوسعي وبوسع أمثالي أن نقيم بلدة عربية زراعية بين رمات هشارون وهرتسليا. “فغرس البلدات” أحاديّ الجانب يشكّل هجمة منفلتة على وجود العرب الجغرافيّ-الاقتصاديّ-الهُوياتيّ في الدولة. وفي حال إخلاء المستوطنات، فإنّ هذه الهجمة ستزداد وتتقوى بدعم من عشرات آلاف آخرين من “مُحبّي الطبيعة والتلال” العدائيين.
وعلى مرّ تاريخ العلاقات بين الدولة والفلسطينيين، فإنّ مواطنيها العرب أُهمِلوا ودُعسوا، من كلا الطرفين: من طرف إسرائيل ومن طرق القيادات الفلسطينية، التي لم تهتمّ بأيّ مصلحة وجودية تخصّنا. لقد دعمنا وسنواصل دعم نضال الشعب الفلسطينيّ، ليس كمتفرّجين بل كجزء أساسيّ منه. إلا أنّ أصحاب النضال أنفسهم عليهم أن يهتموا أيضًا بمصالحهم وعدم القبول مسبقًا بالفرضية القائلة إنّ تحرير أراض مصادرة في المناطق المحتلة أهمّ وأسمى من الحفاظ على أراضي باقة الغربية وجت. وحتى في الاتفاقية التي سيبدؤون التفاوض حولها قريبًا، أعلنوا أنّ الأسرى السياسيين العرب من مواطني الدولة هم خارج طاولة المفاوضات.
الحلّ الأمثل طبعًا هو دولة واحدة ديمقراطية وعلمانية للشعبيْن. ولكن إلى حين تحقيق هذه الغاية، وفي حال التوقيع على اتفاق سياسيّ في أيّ مرحلة كانت، علينا أنّ نهتمّ بمجرّد وجودنا في وجه التهويد الاستيطانيّ والمؤسساتيّ، والذي سيكون أكثر عنفًا عمّا هو عليه الآن. الوضع الذي نعيشه اليوم كمواطنين عرب في إسرائيل هو سيئ من جميع النواحي، إلا أنّ ما يثير القلق بشكل خاص هو تحوّل العنصرية “الشعبية” إلى سياسة مَبنوية في الكنيست والحكومة، من دون خجل أو رادع. هذه الوضعية هي أرض خصبة لمشروع استيطانيّ عندنا وهو يحمل في طياته خطرًا على المواطنين العرب.
على المستوطنات أن تظلّ جزءًا من دولة فلسطين في حدود 1967، في حال قيامها، وعلى المستوطنين أن يتقبّلوا قوانينها وأن يتجوّلوا في العالم وهم يحملون جواز سفرها. من يرفض ذلك مَدعوّ للانتقال إلى سيفيون أو أوفاكيم- فأراضي العراقيب محجوزة لأهلها.
(نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 26 تموز 2013)