هربًا من الحقيقة
علاء حليحل
بات واضحًا الآن، وفي ضوء تصريحات قادة “الجهاد الإسلامي” وفصائل أخرى فلسطينية، أنّ عملية إيلات التي جرت أمس (الاثنين)، والتي قُتل فيها ثلاثة إسرائيليين، هي عملية فلسطينية “داخلية”، وليست مُوجّهة ضد إسرائيل بالأساس!
فتصريحات فصائل المقاومة تقول إنّ أفضل طريقة لصرف الفلسطينيين عن قتل بعضهم البعض هي ضرب العمق الإسرائيلي عن طريق عمليات تفجيرية وأخرى، وهذا أمر مؤسف حقًا، ويشير إلى عمق الهاوية التي وصل إليها الشأن الفلسطيني، على المستوى الداخلي، وعلى مستوى فقدان البوصلة الأساسية التي سيّرت المقاومة –على اختلافاتها- حتى الآن، وهي الاحتلال.
فالاحتلال لا يكمن من وراء هذه العملية، ويحق لنا، كفلسطينيين، أن نقول بصوتٍ عالٍ إنّ الاقتتال الداخلي لا يبرّر العودة إلى منظومة العمليات الفلسطينية ضد المدنيين الإسرائيليين، من باب “أنا وابن عمي عالغريب”، بعد أن صرنا فنانين في تطبيق “أنا وأخوي على أخوي”. فبروز دافع قتل مدنيين إسرائيليين من أجل التوفيق بين العناصر المتحاربة في شوارع غزة وبعض المدن الفلسطينية هو مؤشر خطير على تدهور أخلاقي وقيادي ومعياري حاصل منذ فترة على مستوى قيادات المقاومة، لا بد من الإشارة إليه بأوضح الصور.
وأكثر من ذلك: فالفلسطينيون، والعرب عمومًا، يهرعون دائمًا إلى تبرير كل فتنة داخلية بـ “أصابع خفية إمبريالية” تنشط في الظلام لتفتيت صفوفنا، مع أنّ هذا صحيح في بعض المرات (وهو ينضوي في سياق الجملة الجميلة القائلة: “قد يجوز أنني برنوئيدي، ولكنّ هناك من يلاحقني حقًا!”). والحقيقة أنّ هذا العذر أقبح من ذنب؛ فحتى لو افترضنا صحة وقوف عناصر تآمرية وراء كل اقتتال داخلي، يجب علينا عندها أن نسأل أنفسنا: هل نحن سيئون إلى هذا الحد؟! هل يلعب بنا كل متآمر كما يحلو له، إلى درجة تهويشنا على بعضنا البعض وقتل العشرات بسهولة كهذه؟ ماذا يقول هذا عنا كشعب؟..
أعتقد أنّ خير الطرق لمعالجة الوضع الفلسطيني التعِس، اليوم، هي مواجهة الحقيقة أننا نمرّ كفلسطينيين في أزمة تندمج في مسيرة مقاومة الاحتلال، ولا مأساة كارثية في هذا، فكل الشعوب التي حاربت من أجل حريتها وكرامتها نزعت في بعض الأحايين إلى الاقتتالات والنزاعات وسفك الدماء الشقيقة. علينا أن نكفّ عن تبرير كل شيء بأنه مؤامرة صهيونية- إمبريالية وعلينا أن نحلّ صراعاتنا الداخلية من دون أن نلجأ إلى تفجير المدنيين الإسرائيليين، فهذا في الحقيقة، وليعذرني أبناء شعبي، جُبن كبير!
الحل في غزة ونابلس، وليس في إيلات…
(نشرت هذه المادة في موقع ’’عرب48’’ بتاريخ 30 كانون الثاني 2007)