موقعة “يبوس”
هل على كل فنان عالمي أن يكون من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لدعوته إلى القدس؟ ■ ما علاقة كون المهرجان وطنيًا أم لا بهوية بعض الممولين، طالما لم يكونوا من المحتلين أو رعاة الاحتلال أو من المدافعين عنه؟
علاء حليحل
أجدني مضطرًا للردّ على مقال الزميل مصطفى مصطفى، “القدس محتلة؟” (الأخبار، 30 تموز 2011)، وأقول مضطرًا، لا ترفعًا- بل لسببين: لأنني شاركت في المهرجان كضيف في إحدى ندواته، ولأنني حتى كتابة هذه المقالة كنت قد قررت لسنوات عدم الخوض في سجالات “أخذ وردّ” في الصحف والمواقع. لكن بعد “واقعة يبوس” قرّرتُ البدء بالتفكير مجدّدًا في هذه الاستراتيجية، ويبدو أنّ هذا لن يكون المقال الأخير في سياق الثقافة الفلسطينية ومواجهتها للتطبيع والاحتلال والمقاطعة.
يتمحور المقال المذكور أعلاه في “أجندة مهرجان القدس للموسيقى” الذي تنظمه مؤسّسة “يبوس”، من ناحية هوية الفرق الأجنبية والعربية التي يستضيفها ومن جهة تمويل المهرجان (بقسم منه) من القنصلية الفرنسية. لا بأس أبدًا من خوض هذا النقاش، لكن المسيء هنا هو التركّز في “يبوس” واستهدافها. من باب السخرية أردّد مقولة عادل إمام ببعض التحريف: لو أردنا فحص أجندات وتمويل الجمعيات والمؤسّسات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، البلد كلها حَ تبات في الشارع”. الأجندة التي يودّ الزميل مصطفى مقارعتها لا تختلف عن أية أجندة لأية مؤسّسة ثقافية فلسطينية في أرجاء الوطن (بما في ذلك الداخل الفلسطيني والقدس). كل الثقافة الفلسطينية مبنية على تجنيد أموال غربي أو خليجي.
ويتساءل مصطفى: “أيّ مهرجان وطني هذا الذي يُرفع على منصّته علم دولة أجنبية؟”.. عفوًا؟ ما العلاقة؟ هل التموّل من جهة فرنسية أو أوروبية يقلل من وطنية الفرد أم المؤسسة؟.. أليس المعيار الأهم هو المضامين والتوجّه الذي تنتهجه وما تقدمه للناس؟ ما علاقة كون المهرجان وطنيًا أم لا بهوية بعض الممولين، طالما لم يكونوا من المحتلين أو رعاة الاحتلال أو من المدافعين عنه؟
أما تاريخ الفرق المدعوّة فهو أيضًا مسألة جديرة بالتأمّل، من باب: هل على كل فنان عالمي أن يكون من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لدعوته إلى القدس؟.. رشيد طه يُحرَّض ضدّه (المسكين) بأقلام وتسريبات مقدسية بوصمِه مطبّعًا مع مهرجان “إسرائيلي”، لا لشيء إلا لضرب “يبوس”.
أنا شاركت (بسعادة كبيرة) في إحدى الأمسيات الأدبية والثقافية التي نُظمت خلال المهرجان المذكور وكنت شاهدًا عن قرب على التحريض والتدليس الذي مُورس ضد زملائي الكتاب والكاتبات لمنعهم من المشاركة. إليكم نبذة يسيرة من التسويغات لمقاطعة “يبوس”: التمويل الأجنبي، عدم وجود جمهور مقدسي بارز، المؤسسة تعاملت مع الشركة التي بنت منصة احتفالات مهرجان إسرائيل (شركة تجارية يهودية) والمؤسسة تطلب أحيانا تاكسيات من القدس الغربية! قبل هذه التسويغات اللامعة حاول من حاول أن يروّج لمقولة إنّ “يبوس” تتلقى الدعم المادي من بلدية القدس الغربية، ولكن لما اتضح حجم الكذبة، تراجع المروّجون بسرعة واختفى الادعاء وكأنه لم يكن.
“يبوس” هي نموذج لاستسهال التهجم والدّمغ وتوزيع الصفات ودعوات المقاطعة والتخوين والتهويل، مستعينين دائمًا ببنك المزايدات الفلسطيني المقرف، الذي حوّل نخبنا مع الأيام إلى نخب مخصية وعاجزة، تخاف أن ينعتها فلان بكذا وعلتان بكذا.
هكذا يقضي الفلسطينيون على فلسطين!
(نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 8 آب 2011)