من هو السيد؟
علاء حليحل
أثار حدثان اثنان الرأي العام في إسرائيل وفي العالم العربي والإسلامي، يصبّان في نفس العنوان، رغم كونهما طرفين قد يُرى إليهما أنهما بعيدين: إعادة بناء جسر باب المغاربة المحاذي للمسجد الأقصى في القدس، وتعيين دانيئيل فريدمان وزيرًا للقضاء في إسرائيل؛ ففي الحالتين يدور الصراع حول: “من هو السيد؟”…
إسرائيل ترى نفسها سيدة في القدس العربية المحتلة، وتسعى لتطبيق مخططاتها رغمًا عن القرارات الدولية المطالبة بانسحابها من القدس العربية المحتلة، ولا أعتقد، كما يقول الكثيرون، أنّ إسرائيل تسعى لتقويض أساسات المسجد الأقصى كي يكون بإمكانها بناء الهيكل اليهودي المزعوم مكانه، بل أكاد أجزم بأنّ إسرائيل تستميت في ردع أيّ هجوم يهودي متطرف على الأقصى كي تتجنب حربًا دينية شعواء قد تحرق الأخضر واليابس، وتجعل بعضًا من الدول الأسلامية التي تملك قدرات تسليح غير عادية تلجأ إلى حرب إبادة جماعية.
ما يمكن رؤيته من خلال ما كُشف عنه هنا في موقع “عرب 48″، وما نعرفه عن الممارسات الإسرائيلية الرسمية، أنّ إسرائيل تسعى من وراء هذه الأعمال إلى إحكام سيطرتها على القدس العربية المحتلة، وتيسير آليات ونُظُم هذه السيطرة عن طريق جسر يُتيح لهجمات أمنية شرسة عند الحاجة. وبالتالي، فهي تصبّ جام اهتمامتها في هذه المنطقة من فلسطين التاريخية، في كيفية إبقائها طيّعة بين يديها، لينة وسائغة قدر المستطاع.
الحدث الثاني، وهو تعيين فريدمان وزيرًا جديدًا للقضاء في إسرائيل، يصبّ في خانة “من هو السيد؟”، ولكن على مستوى إسرائيلي داخلي بحت؛ فهذا الوزير الجديد هو العدو الأول –هكذا يُقال ويُكتب على الأقل- للمنظومة القضائية الإسرائيلية المتمثلة أساسًا بالمحكمة العليا وبلجنة تعيين القضاة.
وإذا كنا نبحث عن تجسيد لهذه الحرب الدائرة الآن حول هذا الجهاز، فما علينا إلا نستمع لما قاله قاضي العليا المتقاعد والأهوج تاريخيًا، ميشئيل حيشين، لإذاعة الجيش قبل يومين أو أكثر، حين صرّح وبكل وضوح: “أبي عمل في العليا، وأنا عملت فيها، هذا بيتي، وسأحميه، ومن يجرؤ على رفع يده على بيتي فإنني سأقطع له يده”!
هي إذًا حرب على البيت، على من يسود البيت ومن يديره. والعليا هي أكثر البيوت جاذبية في دولة اليهود، فيها الحُكم والأحكام، وهي رمز اجتماعي وسلطوي كبير، يتنافس عليه الكثيرون، وهي في نفس الوقت “نادٍ مُغلق”، محصور في بروفيل مُعين يجب أن يُستوفى عند المرشح لدخوله، وأهم مميزات هذا البروفيل أن تكون أشكنازيًا، غربيًا، مُحبًّا لنهج “الفاعلية القضائية” التي قوّاها أهرون براك إلى أبعد الحدود، وأن تكون أجندتك مطابقة لأجندة الأغلبية في هذا النادي، وإذا لم تكن مطابقة فسيقولون عنك إنك شخص “مع أجندة” كما قالوا عن بروفيسور روت غبيزون، وقصدهم كان وقتها أن يقولوا “لديها أجندة غير مطابقة لأجندتنا” (هذا، من دون الحديث عن غابيزون وآرائها الكريهة بشأن العرب وحقوق الإنسان).
إسرائيل الرسمية تريد السيطرة على الحيّز الفلسطيني، وهي تريد أيضًا السيطرة على الحيّز الداخلي النخبوي، كي تضمن لنفسها هيمنة لا تُهدد لا من الداخل ولا من الخارج. ولكنها إذا استمرت في نهجها الخارجي والداخلي الحالييْن، فيبدو أنها ستفشل في المهمتين!
(نشرت هذه المادة في موقع ’’عرب48’’ بتاريخ 12 شباط 2007)