كل كارهٍ للعرب هو ترومبيلدور
(نُشر بالعبرية في “واينت”، 11 تشرين الثاني 2008)
يشكّل اليهود في دولة إسرائيل 81% من السّكان؛ يسيطرون مباشرة وعن طريق حكومة الشعب اليهودي على 93% من الأراضي؛ يسيطرون على الجيش والشرطة و”الشاباك” ومصلحة السجون والموساد والاستخبارات العسكرية والحكومة والوزارات الحكومية والمواصلات والأغذية والمياه والموارد (ومؤخرًا- يسيطرون على عدة دول في المنطقة)؛ هم من يسنون القوانين في الدولة، يقرّرون ما المسموح وما الممنوع، يستحوذون على مقاليد القوة والسلطة؛ هم أسياد المكان، نظريًا وعمليًا.
ولكن، في كل مرة يقوم بعض العرب بتكسير واجهات محلات وزجاج سيارات، يتبنى اليهوديّ القادر على كل شيء، فورًا، ذهنية الضحية المطلقة، يعود إلى تاريخه (المؤلم) ويستقي منه مصطلح الضحية المناوب. في هذه المرة كان المصطلح “بوغروم”، وقبله “ليل البلور”، وربما الآتي في الدور هو “التطهير”. يبدو أننا سنجد أنفسنا، نحن العرب، في المواجهة القادمة بين العرب واليهود، “مديرين لمراكز اعتقال” في الجليل. والسؤال السؤال: ما كمية السخف التي يمكن أن يحشوا بها الناس (المتهالكين بدورهم كي يحشوهم بالسخف)؟
لقد أدى دخول عربي في ليلة “الغفران” إلى حيّ مختلط (فيه غالبية يهودية) بسيارته إلى أعمال عنف واسعة، تجاوزت “الخناقات السنوية العادية” في عكا. الجميع أذكياء الآن: يسمعون عن عكا، العناوين تصرخ، الدماغ اليهودية تتناقش في السوبرماركت وفي غرف الانتظار لدى الطبيب فيما يجب صنعه مع هؤلاء العرب، إلا سكان عكا العرب؛ فهم بوسعهم أن يعدّدوا أمامكم عدد البيوت العربية التي هُوجمت في السنوات الأخيرة، وعدد السيارات التي أحرقت، وعدد الهجمات التي كانت ضد العرب، والجزء المضحك من الميزانية البلدية المخصص للبلدة القديمة، وحملات البيع والتصفية التي تجري للممتلكات وللمباني العربية في داخل البلدة القديمة.
لليهودي الذي سيبدي اهتمامًا في عكا بعد هذه اللحظة، نعرض عليه أن يقرأ الصفحات الأخيرة في الصحف، فسينظر ويجد بيتا “أوثنتيك” على البحر، معروضًا للبيع بصفقة ممتازة. بدأوا بيافا والآن عكا. فلتحيَ الصهيونية المتجدّدة عند شواطئ البحر المتوسط البرّاق والخالي من العرب!
نحن نعيش في قلب مهانتنا وألمنا. لكنّ لا أحد يهتم بهذا إلا عندما يُهاجَم اليهود (لعدة ساعات، لمرة واحدة، كردّ على أخبار حول قتل عربي. هذا ليس تبريرًا للتدمير الذي رافق هذه الهبة، لكنّ الهدف توخي الدقة). وبنظر الكثيرين، كانت هذه البداية التي لم يسبقها شيء، ومن هنا يجب الاستمرار بالدم والنار. وللحظة، تحوّل أفيغدور ليبرمان، نبي الترانسفير والتحويلات المالية رهن التحقيق، إلى المنقذ القومي: هو فقط من يستطيع “علاجهم”، هو من يفهمهم ولا أحد غيره. في جوّ الفاشية والكراهية الذي هيمن على المكان لا أعرف ما إذا كانت مقولة “يفهم العرب” هي مديح أم مذمة.
الجو السائد هنا يُذكّر بالغضب الذي اندلع في البلاد بعد تفجر الانتفاضة الثانية: إنهم يصرخون “الموت لليهود”! لم تكن أية مشكلة في أن يتحوّل نداء “الموت للعرب” إلى النشيد الوطنيّ غير الرسميّ لدولة إسرائيل “الديمقراطية”، ولكن كيف يتجرّأ هؤلاء “العربوشيم” على الردّ؟ كلّ عنف هو مُستنكَر كردٍّ أيضًا، ولكننا بتنا في مرحلة نفضّل فيها أن نكون مُستَنكَرين (في نظر التيار العام ووسائل إعلامه)، على أن نرى حياتنا تنهار أمام ناظرينا، لأنّ اليهود من مهاجري الدول العربية ومن خريجي المستوطنات لم ينجحوا في التغلب على كراهيتهم للعرب. ليتعالجوا!
“يجب أن لا يستغرب أحد إذا قام اليهود في جميع أرجاء أرض إسرائيل بحمل السلاح كي يدافعوا عن أنفسهم من العرب، في الوقت الذي تجلس فيه شرطة إسرائيل ساكنة”- هكذا صرخ ودمدم عضو الكنيست أرييه إلداد ولم تهتزّ الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. كان يجب قراءة إعلانه هذا، جيدًا، وكما يجب: لا يكاد يخلو بيت يهودي في إسرائيل من السلاح (أسلحة الجيش، الشرطة، الأجهزة الأمنية أو مجرد عادة مُحببة)؛ ففي الدولة التي يسود فيها مبدأ “كل مواطن جندي”، فيما الباقي متختصون أمنيون متقاعدون، لن ينتظروا إلداد ليدعو إلى تسليح الأغلبية المهيمنة والسائدة في الدولة. وإلداد ليس غبيًا؛ لكنه أراد فقط أن يذكّر اليهود بأنهم يمتلكون الأسلحة في البيوت ويجب أن لا يخشوا من استخدامها، فالساعة مواتية والجميع يتغنى بفرح وبشهوة مستعرة: العرب يقومون ببوغروم ضدنا- فهيا إلى المعركة!
عمليات التدمير التي يزرعها العرب في المواجهات مع اليهود، تنبع من الاغتراب والغربة اللذين خلقتهما أجهزة الدولة؛ الغضب الحاصل جراء هذا يجب أن يُستغلّ لبناء برنامج سياسي واجتماعي، لبناء خطة عمل مع أهداف، لوضع استراتيجية حاسمة في وجه نظام الحكم والأغلبية اليهودية. وبدلا من هذا، يُفجر البعض منا غضبه على سيارات ومتاجر من ننظر إليهم على أنهم الممثلون الفوريون للسلطة الظالمة والجائرة. صحيح أنّ هذا يشكل وسيلة للتنفيس، إلا أنه يمكن أن يحبط جميع النضالات العادلة التي نكتب ونتظاهر ونتنظم من أجلها. هذا أمر متسرّع وغير منصف تجاه المتضرّرين، والأهم أنه غير حكيم.
من المثير لأشدّ القلق أنّ الحلّ الوحيد الذي يجري تطبيقه على الأرض للمشاكل التي تعانيها المدن المختلطة (خلافا للخطط الخمسية التي تبلى في الأدراج) هو جلب طلاب مدارس دينية يهودية ومستوطنين لتقوية الأحياء اليهودية. هذه زعرنة أيديولوجية نقية، وتفكير فاشي استبدادي هدفه زرع الإرهاب والهلع لغرض تنظيف الأحياء العربية من “النجاسة” العربية. كل مُلتهم للعربوشيم هو بطل، كل كارهٍ للعرب هو ترومبيلدور.
من المخيف أن تحيا في عكا في هذه الأيام، ومن المخيف أكثر أنّ الجميع عاد إلى حياته الروتينية في الدولة، في الوقت الذي تستمرّ فيه حملات التدمير اليهودية وبأقصى قوتها. أمس (السبت، 11 الجاري)، أحرقت أربعة بيوت عربية وحتى خلودي للنوم في الواحدة ليلا كانت هناك عائلة عربية محاصرة في بيتها، تصلي من أجل معجزة. ولكن المعجزات لا تحصل في البلاد المقدسة (ما عدا مقتل رابين في نظر مئات آلاف المسيحانيين)، ولا تزال هذه البلاد تنزف كراهية أسيادها.
(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 12 تشرين الأول 2008)