فَسَمنوُا، فَرَفسوُا..
علاء حليحل
“فَسَمن يشورون وَرَفس”- بهذه الجملة المأخوذة من العهد القديم (سفر التثنية، الاصحاح 32، الآية 15)، وصف الراف عوفاديا يوسيف، زعيم “شاس” الروحي، رئيس الحكومة أريئيل شارون، في هجمة “عنيفة” مثل التي اعتدنا عليها سابقًا من الراف يوسيف ضد سياسيين إسرائيليين وضد العرب. وتأتي هذه الهجمة بعد أن اتضح نهائيًا أن “شاس” خارج الحكومة، وبدلا منها ستحتل كتلة “شينوي” مواقعها الوزارية، التي اعتادت عليها “شاس” منذ أيام أرييه درعي الأولى. سنعود إلى نقطة أرييه درعي بعد ثوانٍ.
ما قصده الراب يوسيف بالآية التوراتية المذكورة هو تذكير بما كان قاله بعد أن فصل شارون وزراءَ “شاس” من الحكومة إثر تصويتهم ضد مشروع الميزانية. وكان الراب يوسيف تنبأ عندها بأن شارون سيصبح “رئيس صناديق القمامة” وأنه سيتوهم بأنه شبع وأصبح قويًا ولذلك فإنه سيخدع “شاس” وسينتقم منها. هذا ما حدث فعلا، إذا تذكرنا أن عناد “شاس” على عدم التصويت مع الميزانية كان السبب المباشر لتبكير الانتخابات الأخيرة. وقد أضاف الراف يوسيف أن “شارون هو رئيس مجموعة قمامة ‘شينوي‘”، ما يدل على أن النزاع بين شارون ويوسيف ليس محصورًا بين الاثنين، بل يتعداه إلى يوسف (طومي) لبيد أيضًا. في الاقتباس الذي بدأنا فيه، هناك إنذار خفي ليشورون (شارون) بألا يعتقد بأن ما له سيدوم. سيأتي يوم تنقلب فيه الآية، رأسًا على عقب، وإلى حين حلول ذلك، “أخرجوا إلى البلاد وافلحوها وقَوّوا من ‘شاس‘”- قال الراف عوفاديا يوسيف لنوابه في الكنيست!
وقد يبدو أن هذه الحرب “التصريحاتية” خالية من أية نزاعات داخلية أو مصالح “شاسية” داخلية. ولكن الأمر أبعد من مجرد شتم شارون، الذي ترك “شاس” خارج لعبة الميزانيات والكعكة القومية الآخذة في التقلص. الوحيد الذي يمكن له أن يقول نفس جملة الراف يوسيف هو أرييه درعي، وسيقولها ضد أيلي يشاي، زعيم “شاس”، الذي خلفه في منصبه بعد دخوله السجن. “لو كنت أنا بدلا منه لكنتم ترون ‘شاس‘ الآن مع ست حقائب وزارية، وعلى رأسها وزارة الداخلية”، سيقول درعي لمقربيه اليوم، أو ربما قال ذلك للتو.
بقاء “شاس” في الخارج هو فشل ذريع ليشاي وللراب يوسيف. بإمكان مقرّبي درعي أن يدّعوا الآن أن من قاد “شاس” في دربها السياسية الاسرائيلية هو أرييه درعي وليس الراف يوسيف. وحتى في انتخابات 1999، التي لم يكن درعي مرشحًا فيها بسبب المحاكم التي كان متورطًا بها، فإن شريط “هو بريء” عن درعي المعذب والمطارد، منح “شاس” (17) مقعدًا لا أقل في تلك الانتخابات. قياسًا بالمقاعد الإحدى عشرة التي حصلت عليها “شاس” في الانتخابات الأخيرة، وبقائها خارج الحكومة، يمكن لدرعي أن يجلس في كرسيه الوثير في “اليشيفاه” التي يتعبد فيها وأن يتمتم برضا: “فَسَمن يشاي ورَفَس”!
هل سيعود درعي إلى السياسة الآن، ليتزعم “شاس” من جديد؟ أولا، ليس بالضرورة أن يعود بشخصه، وثانيًا ليس بالضرورة أن يعود الآن. من الأفضل لدرعي أن يعود قبل الحسم التاريخي، لو حصل وأتى. أن يخرج في نداء جماهيري جارف للانضمام إلى حكومة شارون التي انسحب منها “المفدال” و”هيئوحود هليئومي”، قبل التوقيع على إتفاقات الحل الدائم، تحت الرعاية الأمريكية، وأن يعود إلى السياسة كمسيح مخلص بيمينه غصن زيتون وبيساره سكين حادة لأيلي يشاي. إلى ذلك الحين يستطيع أن يبقى في عزلته الاختيارية، يقرأ التوراة و”الغامراه” ويراقب عن بعيد- قريب كيف تنهار حركة “شاس” وشبكة تعليمها “همعيان همتغبير”، من دون وزارات ومن دون أموال.
قد قالها شاعرنا سابقًا: مصائب قوم عند قوم فوائد. الراف عوفاديا يوسيف يعرف حساسية الموقف الداخلي الذي وُضع فيه. ربما يكون هذا هو السبب الحقيقي في فلتان لسانه بحدة وتقريظ. ليس شارون من يخيف الراف عوفاديا، بل درعي بالذات. الفرق الوحيد أن يوسيف لا يستطيع ان يشتم درعي الآن، لأنه ببساطة، “لم يفعل شيئًا”!..
(نُشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” في 2003)