في براري “المملكة”
لم يجدد فيلم “المملكة” الأمريكي شيئًا في طرحه، فالقصة واضحة ومفروزة منذ سنين: إرهابيون إسلاميون ينفذون مذبحة بحق غربيين (رعايا أمريكيين في السعودية) وطاقم “إف بي آي” (بقيادة جيمي فوكس) يهبون إلى المملكة للتحقيق والكشف عن القتلة واغتيال زعيمهم- الأمر الذي يتحقق في النهاية، طبعًا. من هذه الناحية لم يفاجئ فيلم “المملكة” إلا بأمر واحد: العرب مقسومون الآن، وفق المعادلة الجديدة: متطرفون ومعتدلون.
والمعتدلون في الفيلم هم قوى الأمن السعوديون (أشرف برهوم وعلي سليمان)، اللذين يريان في منفذي العملية أعداء لهما أيضًا. هل أساء برهوم وسليمان اختيار دوريهما في هذا الفيلم الأمريكي المُجند، سياسيًا وأخلاقيًا؟
من جهة، لعبا أدوارًا في فيلم ترويجي للمنظومة الأمريكية الجديدة في منطقتنا، ومن جهة أخرى لم تكن أدوارهما نمطية أو مهينة، كعرب مسلمين. بديا في دوريهما مقنعين، محبين للبشر، ندّين واعيين ولهما قدراتهما وجانبهما الإنساني- وفي هذا تجديد كبير وغير مسبوق في الأفلام الأمريكية.
هذا السؤال هو كبير وعويص، طبعًا، وكل فنان يعرف حدوده وخطوطه الحمراء التي يضربها حوله أثناء سعيه للقمة. واللافت هو أداء برهوم الممتاز في الفيلم، فبرهوم هو ممثل سينمائي بالفطرة، حضوره قوي وغلاب، وحضوره أمام الكاميرا قوي ومتين.
إذًا، ما العمل؟ نقبل أدوارًا كهذه أم لا؟ الحقيقة أنّ هذا يتعلق بأفكار ومعتقدات كل فنان: فمن حق كل عربي أن يؤمن بنبذ العنف وأن يستنكر الإرهاب الدموي، حتى لو جاء من عرب ومسلمين وحتى لو توافق هذا الإيمان أحيانا مع البروبغندا الأمريكية. هذه معضلة كبيرة، والمطلوب دومًا هو الوعي لها والحذر منها.
فليقُد كل منا ناقته وفق ما يشاء ويرغب، وهذا حقه المطلق، وليتحمل في نفس الوقت تبعات قراراته وإسقاطاتها وما يمكن أن تثيره من ردود فعل- وهذا حق المشاهدين والمتلقين المطلق.
فيلم “المملكة” هو فيلم متوسط، رغم بعض المقاطع الجيدة فيه ورغم الاستثمار في المؤثرات الفنية والخاصة. وخسارة أنّ من يموت في النهاية هو الكولونيل الغازي (برهوم) وليس عميل “إف بي آي” فلوري (فوكس)!
(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 22 شباط 2008)