عربيٌ أنا، سأصوت؟؟
علاء حليحل
المعركة الانتخابية الاسرائيلية التي تجري في هذه اللحظات، لا تجري على ميزانيات المجاري في القرى العربية. ما نجح اليمين في فعله منذ الإنتفاضة الثانية هو تحويل الصراع داخل الدولة، من صراع بين أقلية وأكثرية على ميزانيات التطوير، إلى صراع على شرعية وجود الأقلية في الديمقراطية الاسرائيلية الصورية. من هذا المنحى تكتسب دعوة الأحزاب العربية المواطنين العرب إلى الخروج بجماهيرهم، بُعدًا إضافيًا على الذي كانته قبل ذلك. ما يشبه مقولة “الكف التي تلاطم المخرز”. يريدون منعنا وشطبنا، ونحن سنرجمهم بالبطاقات.
ولكن ما ذُكر في البداية هو نفسه الذي أعطى بعدًا إضافيًا جديدًا للدعوة لمقاطعة الانتخابات، من باب “سقوط القناع” عن الدولة الصهيونية وديمقراطيتها الاثنية، ومن باب ضرورة البحث عن بدائل أخرى غير البرلمان الصهيوني. أي مخلوق يأتي من الفضاء الخارجي اليوم، ويستمع إلى إداعاءات الطرفين، المبنية على نفس المنطلقات، لم يكن سيعرف أبدًا مع من الحق!
منذ الصباح والاعلام يتتبع بحذر. التشويش الوحيد الذي حصل في الوسط العربي هو إيقاف الشرطة لقافلة السيارات التي خرج بها أعضاء “اللجنة الشعبية لمقاطعة الانتخابات”، واعتقال عدد من المتظاهرين في القافلة، وإطلاق سراحهم بعد الظهر. المعلومات التي وردت من المعتقلين تقول إن الشرطة محتارة الآن أية تهمة ستوجهها للمتظاهرين: التظاهر بشكل غير قانوني، أم التماثل مع تنظيم معادٍ لاسرائيل! ما حدث مع قافلة السيارات هذه هو تمثيل عيني لهشاشة الديمقراطية الاسرائيلية، التي ضاق هامش الاختلاف فيها إلى أبعد الحدود. القاضي ميشائيل حيشين، رئيس لجنة الانتخابات المركزية، صرح قبل قليل بأنه يفكر في طرح فكرة تغريم كل مواطن لا يذهب لممارسة حق الاقتراع، وذلك من أجل رفع نسبة التصويت، التي ما زالت منخفضة حتى الآن، حيث سجلت أدنى نسبة منذ الانتخابات الأولى حتى الآن! دعوة حيشين هي الأخرى تضيّق من هامش الديمقراطية في إسرائيل. أليس الحق في عدم التصويت هو هام في جوهره مثل الحق في التصويت؟ كيف سيكون بإمكان المواطن التعبير عن غضبه ويأسه من سياسييه بعد اليوم؟…
الوسط العربي يشهد منذ الصباح حملة محمومة من التخمينات والترميزات. في البث الخاص للانتخابات الذي جرى في راديو “الشاطئ” بالعربية والذي اشتركت به، اتضح من تقارير المراسلين في الجرائد العربية أن “القائمة الموحدة” في مأزق حقيقي وأنها تشعر بقرب الهزيمة. كما أن “التحالف الوطني” برئاسة هاشم محاميد في مأزق أكبر حيث يتضح مع مرور الوقت أنه لن يعبر نسبة الحسم كما توقعت له كل الاستطلاعات. مصدر قيادي في “التحالف” أسرّ في أذني قبل حوالي الشهرين بأن هناك خطة يقودها هو لقلب ظهر المجن على هاشم، في هيئات الحزب، وعزله، ومن ثم الدعوة للتصويت لـ “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة”. نفس “الجبهة” التي خرج منها هاشم بعد إنتخابات 1996. لكن هذه الخطة فشلت فشلا ذريعًا!
بعد قليل ستبدأ السيارات التي عليها مكبرات الصوت في التجوال في شوارع البلدات العربية. كل حزب سيدعو المصوتين للخروج والتصويت له. هذا تم في العام 1996 في المنافسة بين شمعون بيرس وبنيامين نتنياهو، حيث دعت الأصوات من خلال المكبر للتجند من أجل إنجاح بيرس؛ هذا حصل في الـ 1999 في الدعوة للتصويت لبراك. هذا سيحدث هذه السنة ربما من الأطراف التي تشجع رفع نسبة التصويت، وهي أطراف ليست حزبية وتتمول من عدة جهات!
من الصعب جدًا القول إن معركة الانتخابات “المصيرية” هذه هي معركة مشتعلة. ولا يمكن حتى القول إنها مثيرة بأي شكل. ما عدا الكوادر التي تحرث الأرض وتنهبها نهبًا في الشوارع، فإن أحدًا لا يتعامل مع هذه الانتخابات كإنتخابات مصيرية. لا أحد. مع أنها يمكن أن تكون كذلك. ولكن اليأس العارم من التغيير، والاحباط من أن الأحزاب العربية في الكنيست لن تسهم في أية كفة، يجعلان الناخب العربي يصوت ببرود، وبدون حماس، أو يكتفي بمشاهدة البرامج التلفزيونية في العاشرة ليلا، والسبّ على شارون وعلى “الليكود”.
كنتُ حتى ما قبل سنة أو أقل، أؤمن بأن صوتي في صناديق الاقتراع هو مقاومتي كفلسطيني، أعيش إزدواجية مستحيلة. كنت أؤمن بما لا يقبل الشك، بأن النواب العرب الذين أبعث بهم إلى الكنيست، أنا والمئة مليون فلسطيني داخل إسرائيل، هم خير دعم لقضية شعبي النازفة. كنتُ أرى في زيادة عدد أصواتنا في البرلمان الصهيوني، خير َ وسيلةٍ لضمان معارضة حادة، أو جسم مانع يدعم الاتفاقيات التي لصالح شعبي. كنتُ، ولكنني لم أعد متأكدًا. الكثير من المياه جرت تحت الصناديق. والكثير من الدماء أريقت في الطريق إلى الصناديق. إلى حين التأكد من جدوى الكنيست للعرب وحسم الموضوع نهائيًا، ستظل المعركة الحقيقية في الشارع العربي –من ناحية الأحزاب المتنافسة- هي الشتم والرد على الشتائم. ليس على شارون، بل على بعضهم البعض!!
(نُشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” في كانون الثاني 2003)