سأكون شعبوياً أيضاً: يعيش حمّص لبنان
يوم الجمعة الفائت، تناقلت وكالات الأنباء الإسرائيلية أخباراً عن مئات، وربما آلاف المحتفلين الذين غمروا قرية أبو غوش الفلسطينية المحاذية للقدس، واحتشاد نحو 40 طاقماً إعلامياً، وإغلاق الشارع الرئيسيّ في القرية منذ العاشرة صباحاً. فالحدث يستحق إغلاق الشارع: صحن حمّص بوزن أربعة أطنان سيهزم الرقم القياسيّ الذي حقّقه لبنان قبل أشهر.
فجأة، تحوّلت قرية فلسطينية على أطراف العاصمة الأزلية إلى ساحة وغى يعمل الجميع فيها على كسر الرقم القياسي اللبناني. ما قاله جودت إبراهيم -صاحب مطعم «أبو غوش» للحمّص والمُبادر لهذه البهدلة- لموقع «معاريف» الإلكتروني، يعكس الكثير: «أريد أن يرى العالم ولبنان أنّ حمّصنا هو الأفضل والألذّ مذاقاً. وإذا كان كِبر الحجم يهمّ، فسنريهم مَن يملك الأكبر» (والحديث للبنانيين)! مقولة نموذجية لأسرلة بغيضة تعكس ملامح العربي الذليل الذي يبيع الحمّص «الأصلي» لأبناء عمومتنا، الباحثين عن «الأوثنتيك» في بلاد السّمن والعسل.
ورأى إبراهيم أنّ هذا اليوم هو «يوم عيد». وعندما صعد ممثل كتاب «غينيس» إلى المنصة وصدّق على الإنجاز، أُطلقت البالونات البيضاء والزرقاء (الإسرائيلية) إلى ضواحي هواء القدس، وانطلق بعض شباب «أبو غوش» في رقصٍ ودبكة!
لكن، قبل أن تحكموا على رجل الأعمال الفهلويّ الذي ازدادت نجوميته الحمّصية نجوميةً، عليكم أن تعرفوا أنّ العربي صانع الحمّص لم يفوّت فرصة عرض السلام على لبنان «الشقيق». ها هو يعلن بتعايش نموذجيّ: «آمل أن يقبلوا اقتراحي، وأن نصنع الصحن المقبل معاً. آمل أن تكون الحرب الوحيدة بيننا، حرباً على الحمّص».
عفواً؟ أيّ حرب بالضبط بينك وبين لبنان؟ هل أنت من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي؟ وكيف يمكن بالضبط أن تصنع صحن حمّص مشتركاً مع اللبنانيين؟ هل ستعود أنت وأصدقاؤك اليهود مُحبّو الحمص إلى بيروت؟
من المثير للقشعريرة أن ترى مذيعاً تافهاً (زهير بهلول) ونجمة «عربية إسرائيلية» عابرة (مريم طوقان) يعتليان منصة هذه البهدلة. هو يضحك ويبتسم ويقهقه، وهي تغني للطاعمين. هل بحثتم عن مثال صارخ للتشويه الإسرائيليّ السّمج والمعيب الذي لحق ببعض أبناء أقليتنا الصامدة؟ ها هو أمامكم، بصريح المهانة.
هذه الكتابة ليست «فزعة» للحمّص اللبناني، ولا الفلسطيني، ولا «الإسرائيلي» (الهجين). مهاترات كِتَاب «غينيس» كانت (وستظلّ) دائماً أحاديث مسلية وغريبة يتسلى بها القوم لا أكثر. لكن الشعبويات تظلّ المجسّ الأفضل لجميع الظواهر والتعابير التي تُرصد أكاديمياً وبحثياً وصحافياً بكلمات أكبر، وبمصطلحات تتجاوز الحمّص بالطحينة والليمون.
مع ذلك ـ بعد إذنكم ـ سأكون شعبوياً أنا الآخر، لوهلة، وسأطلق صرخة غضب فلسطينية مجلجلة تنصر حمّص بيروت على حمّص بعض «عرب إسرائيل» التابعين لابن العمّ «المُغمِّس» طرباً وجذلاً. وإذا سُمح لي ببعض الدراماتيكية، فسأصرخ بالأحمر القاني: يا طبّاخي لبنان، اتّحدوا!
(المقالة في “الأخبار” اللبنانية)
(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 12 كانون الثاني 2010)