رابين نجم هوليوودي!
علاء حليحل
هذا الثلاثاء ستبدأ الدعاية الانتخابية التلفزيونية للأحزاب المتنافسة في الانتخابات الاسرائيلية. الجميع بلا استثناء يوافق على أن تأثير هذه الأفلام القصيرة المُحكمة الصنع هو ضئيل وأحيانًا معدوم. ولكن، وعلى الرغم من ذلك، يهتم الجميع بأن تكون دعايته التلفزيونية أفضل دعاية. لماذا؟ لأن الدعاية الانتخابية الجيدة تفيد من يصنعها، من ينتجها. وهؤلاء هم مكاتب الاعلان والدعايات والمستشارون الاعلاميون. بمعنى: نحن مهنيون وموهوبون وبالتالي نستحق كل قرش نأخذه من جيوبكم. الدعاية التلفزيونية هي نتاج الرأسمالية الديموقراطية الأكثر بروزًا وتجليًا للعيان. المال في خدمة السياسة، السياسة في خدمة المال. لا بأس من تبذير أموال دافعي الضرائب على أفلام تلفزيونية باهظة التكاليف، مع أنها لا تفيد أحدًا أو تكاد لا تفيد أحدًا. المهم أن يرى المواطن عرس الديمقراطية على شاشته. ليس على المواطنين أن يرقصوا في هذا العرس، فهم لا يملكون المال لدفع النقوط، وهم ليسوا مدعوين أصلا. هذا العرس يشارك فيه المنتخَبون فقط. المنتخِبون يكتفون بالنظر إلى فستان العروس وبدلة العريس والذهاب للتصويت في الثامن والعشرين من الجاري للحزب الذي أرادوا التصويت له منذ أشهر عديدة!
هوليوود ورابين. هذه هي المعادلة الفتاكة التي يعتقد مصممو دعاية حزب “العمل” الانتخابية، أنها ستنتصر على كل الشرور. ستنتصر على المحتارين بين “شينوي” و”الليكود” و”العمل”. ستنتصر على الهاربين من “الليكود” إلى لا مكان. على الذين يجلسون في حزب “العمل” ولا يعرفون ما الذي يفعلونه هناك- خاصةً الصقور وأتباعهم. رابين و”تراثه” هما الجواب لكل المذكورين أعلاه. رابين أسطورة، وليس بوسع أحد أن ينتصر على الأسطورة. خاصةً إذا جاءت في كليب هوليوودي.
الشريط الدعائي الأول والمركزي عند حزب “العمل” هو شريط “رابين يروي عن ميتسناع”. هكذا أسماه القيّمون على دعاية حزب “العمل” الانتخابية، وهكذا هو: “دخل ميتسناع وعيي لأول مرة في اليوم الأول لحرب الأيام الستة. رأيته في تخبطاته، رأيته في مواجهته لمشكلة لم نعرفها من قبل: الانتفاضة… رأيته عندما كان أمام واجب اتخاذ القرارات الحاسمة، كيف نحافظ على القيم المقبولة وكيف يحاربون في إطار القيم المقبولة التي تميز الجيش الاسرائيلي، وقلت له، ميتسناع، شكرًا جزيلاً على كونك أنتَ، وعلى كل ما فعلته”. هذه الكلمات الثاقبة يقولها رابين من على منصة توديع وتكريم ميتسناع عند اعتزاله الخدمة في الجيش. رابين يتكلم وميتسناع يصغي. وفي الخلفية تتراكض الصور “الرجولية والبطولية”: ميتسناع مع ضباط في الانتفاضة، هليكوبتر وميتسناع بداخلها، رابين يتحدث، ميتسناع في ساحة الوغى، رابين يتحدث، ميتسناع في مدينة فلسطينية منتفضة، مرة أخرى في الهليكوبتر، في زورق مائي، صورة له مع رابين، صورة في طائرة، واقف على الدبابة، جالس يكتب، رابين يشكره، ميتسناع بالغ التأثر مع زوجته، وفي النهاية الجملة التي تختم كل دعاية لحزب “العمل”: “نؤمن بك ميتسناع.. أنت القادر فقط”.
المنطق الدعائي من وراء هذا الفيلم القصير واضح: رابين وميتسناع في خندق واحد. رابين يحب ميتسناع، رجل الحرب والشديد المقدام. رجل الضمير والتخبطات، رجل الكلمة والرجولة الحقة. رابين يحب ميتسناع ويشكره أمام شعب إسرائيل. إذًا من أنت أيها السياسي المنافس الحقير لتعترض على كل ذلك؟.. هل شكرك رابين بنفسه مرةً؟؟
هنا أمريكا
الشريط الثاني يدور في أروقة البيت الأبيض. ليس في الأروقة الحقيقية طبعًا. في أروقة الأستوديو الذي جهزه صناع الدعاية الانتخابية. وإليكم بالقصة التي تنتهي مع النهاية السعيدة: ميتسناع يصل إلى العمل. كأنه رئيس حكومة بالفعل. قافلة سيارات وشرطة ورجال أمن مع سمّاعات صغيرة في الأذن، صحافة وكاميرات تقرقع وكاميرات تسجل وميكروفونات تحاول أن تجد لها طريقًا من وراء أكتاف رجال الأمن. دراما في قمتها. وهذه البداية فقط. ميتسناع يخرج. ها هو يخرج. وفجأة ها هو في الداخل. كأنه السحر، بدون معوقات أو إطالة حديث. من خلفه حاشية كبيرة من المساعدين والحراس. وبعد قليل: البطانة. الكثير من الوجوه الجميلة والجذابة، بعضهم يحبونه والكثيرون لا يحبونه. ولكنهم في هذه الدراما التلفزيونية البراقة يبتسمون له ويهزون رؤوسهم دلالة الفهم والموافقة، يناقشونه برفق ولينة، يستمعون له، يضحكون أحيانًا، يتهامسون ويتشاورون في أزواج: داليا أيتسيك مع الراب ملكيئور: تزاوج النساء والعلمانية مع المتدينين والرجال؛ فؤاد بن إليعيزر مع إفرايم سنيه: الأمن سيداتي آنساتي سادتي، الأمن في كامل تجليه؛ شالوم سمحون إلى جانب أيهود ياتوم: رجل الشاباك السابق مع رجل الحواري الشعبي؛ وحاييم رامون الذي نافس ميتسناع حتى قبل شهر وقال عنه إنه مبتدئ ولا يفقه شيئًا، ها هو يضحك له ويجلس إلى طاولة “الخلية” التي تقود الدولة؛ أوفير بينس، يتسحاك هرتسوغ، متان فلنائي، شمعون بيرس، أفرهام بورغ، بايغه شوحط، يولي تمير… كلهم يد واحد مع ميتسناع، وميتسناع يده الواحدة معهم. اليد الثانية تمسك بكراس فيه أوراق يقرأها باهتمام. ومن خلفهم جميعًا، كالأب الحنون، كالراعي الذي ينظر إلى رعيته بحنوٍ وحب: رابين. رجل السلام، أسطورة الماضي وأسطورة الغد… هذه هي النهاية السعيدة التي يستحقها شعب إسرائيل الحي: ميتسناع ورفاقه…
على الرغم من السخرية أعلاه إلا أنه يمكن تسجيل نقطة أو اثنتين في صالح الشريط الانتخابي: الشريط ينجح في تمرير أجواء الوحدة والالتفاف حول ميتسناع، وهذا ضروري جدًا لحزب “العمل” في الأيام المقبلة لوضح حد لشائعات حول انفصالات أو تكتلات في داخل الحزب ضد ميتسناع، وعودة أيهود براك المحتملة بالتأكيد- غير المحتملة بالتأكيد! كما أن الشريط يضع أمام المشاهد المتردد، الناخب الحائر، بانوراما متنوعة من الوجوه: واجهة حزب “العمل”. هؤلاء هم أخوتي فجئني بمثلهم، يقول ميتسناع للمُصوّت الحائر. لست وحدي كما ترى، نحن معًا سنكون إلى جانب طاولة الحكومة، تمامًا كما ترى الآن. ما عليك إلا أن تشتري هذا الوهم الجميل وأن تصوت لـ “العمل” في نهاية الشهر. نحن نثق بك وبحكمتك في نهاية الأمر. أنظر إلينا، تمامًا كما في أمريكا.. تصبحون على أمريكا وفكروا فيما قلناه لكم. غود نايت أيفري بادي!…
(نُشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” في 2003)