خلّي الرّحم صاح
أستُهلّ بيان صحافي وصل بريد الصحيفة الإلكتروني، الخميس الماضي، بهذا المستهلّ: “طالب النائب الشيخ عباس زكور (القائمة العربية الموحدة والعربية للتغيير)، اليوم الخميس، وزير الصناعة والتجارة بتوفير الميزانيات خلال السنوات القريبة القادمة لإيجاد وبناء أماكن عمل وتحسين كافة الشروط والتسهيلات من أجل دمج النساء العربيات في سوق العمل، ومن ضمنها بناء حضانات للأطفال تحت جيل 3 سنوات في البلدات العربية”. هذا جميل طبعًا، هذا الخوف والتخوف من البطالة المتفشية بين النساء العربيات، ولكن للمعادلة شق آخر في بيان زكور، صاغه كما يلي: “حذر النائب زكور من المعطيات الخطيرة التي نشرتها دائرة الإحصاء المركزية الاسرائيلية هذا الأسبوع والتي أظهرت انخفاضا متواصلا في عدد الولادات لدى النساء العربيات، وبالمقابل ارتفاعا في عدد الولادات لدى النساء اليهوديات، الأمر الذي جعل بعض وسائل الإعلام العبرية تتساءل عن إمكانية حدوث انقلاب ديموغرافي في إسرائيل لصالح الولادات اليهودية”. ويستمر البيان: “وبحسب ما نشرته دائرة الاحصاء المركزية فقد بلغ عام 2000 معدل عدد الولادات للمرأة العربية المسلمة 4.7 أولاد، وقد انخفض هذا العدد عام 2005 إلى 4.1 أولاد، ثم انخفض عام 2006 إلى 4 أولاد. وبالمقابل بلغ عام 2000 معدل الولادات للمرأة اليهودية 3 أولاد، وانخفض هذا الرقم عام 2005 إلى 2.8 أولاد، ثم ارتفع عام 2006 إلى 2.9 أولاد”.
حتى هنا الاقتباسات. زكور قلق إذًا من “انقلاب ديموغرافي”، وهذا القلق تترجم في السابق في دعوة سابقة له هذه السنة، تحثّ النساء العربيات على تحويل أرحامهنّ إلى أداة نضالية، “تبذر” الأرض بذرًا، أرضَ فلسطين التاريخية، بالأطفال تلو الأطفال، حتى يتسنى لنا، بإذن الله تعالى، تحقيق أغلبية عربية في دولة اليهود، حتى سنة 2050 أو 2080، لا يهمّ؛ ما يهمّ هو أن تعتزل النساء كل نشاطات أخرى وأن يشترينَ الفستق الحلبي والجرجير ويُطعمنَ أزواجهن بكثرة، كي يظل الرجل العربي الفلسطيني مناضلا أشوسَ في السرير، يزرع الطفل تلو الطفل في رحم زوجته، فالمعركة حامية، و2050 تقترب، وماذا سيقول عنا الجيران لو لم نلد 10-15 ابنا وابنة (مفضل ابن، ولكن نحمد الله في كل الأحوال)؟
من كان يعتقد أنّ تصريحات النائب زكور السابقة حول تجهيز أرحام أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا للانضمام إلى المعركة، هي تصريحات عابرة نتجت عن حماس زائد لعضو كنيست طازج يده طرية وخفيفة على زناد البيانات الصحافية- فقد خاب ظنه. ها هو زكور مُستمر في حرصه، وربما هوسه، الديموغرافي، ومعطيات الدائرة المركزية للإحصائيات تثبت تخوفاته، ولذلك، فهيا يا مسلمين ويا نصارى، إلى الجهاد (السّريري)!
ليس هناك ما هو أكثر رجعيةً من نهج زكور في هذه القضية؛ فأولا، من قال إنّ تفريخ الأطفال هو الحلّ لمشاكل الأقلية العربية الفلسطينية في دولة اليهود، وهل يعتقد أحد حقا أننا حين نصير أكثر من اليهود بواحد سنسيطر على الدولة حقًا؟ وثانيا، ألا يكفينا إجرام وجهل وإهمال، حتى نزيد من أعباء العائلات العربية، فبدلا من أن يسعى الأهل لتربية وتعليم وتثقيف ولديْن أو ثلاثة، عليهم أن يسعوْا لتوفير الخبز الحاف لستة أو ثمانية، حيث يربون جميعهم ليكونوا أنصاف أميين؟ وهل سأل أحدهم نساءَنا إذا كُنّ يرغبنَ في أن يتحوّلنَ إلى مفرخة تفقيس من أجل القضية، وإذا كانت القضية “ما بتنحل إلا بدولة وهوية”، فأية هوية سننُتج في العام 2050 أو 2070، وأية دولة سننُشئ؟ دولة عالم خامس تغصّ بأبنائها الطيبين (والحفاة، العراة، الأميين)؟
ثم لنكن صريحين قليلا: ما الفرق بين هذه الدعوات وبين دعوات المؤسسة الصهيونية لتحويل الرحم “العبري” إلى مصنع للجنود يحمون الشعب اليهودي؟
لا أجد حقا أيّ رابط بين شقّيْ البيان الصحافي الذي ابتدأنا به، سوى هذا الرابط: زكور يسعى من أجل توفير حضانات للنساء العربيات، وذلك لتشجيعهنّ على الخروج للعمل، كي يتحملنَ مع أزواجهنّ عبء تربية 6-10 أولاد، ولكن من دون أن يعطل هذا على رغبتها وقدرتها على الإنجاب المُجنَّد، بحجة “وين بدي أحط لولاد؟”. يعني عصفورين بحجر: أنجبنَ يا نسوة، واعملنَ، وسيرى الله عملكنَ ورسوله وزكور.
يونس
توفي هذا الأسبوع الفنان المصري يونس شلبي، بعد نزاع مرير مع المرض. يونس، البطل الكوميدي بجدارة، رحل عن العالم بمأساوية كبيرة. فنهايته كانت صعبة ومهينة، حتى اضطر إلى استجداء أثمان الدواء والعلاج في آخر أيامه. فبعد أن تخلت عنه نقابة الفنانين المصريين وباع كل ما يملك لتغطية نفقات العلاج والأدوية، استجاب وزير الصحة المصري لندائه لتوفير نفقات علاجه على حساب الدولة أسوة بزملائه من الفنانين. وقد بلغ ثمن فاتورة مستشفى “المقاولون العرب” الذي أجرى فيه العملية الجراحية الأخيرة أكثر من 30 ألف جنيه!
وعن وضعه الصحي المتردي، قال شلبي في تموز 2005 إنه أجرى عدة عمليات جراحية، منها زراعة شرايين في قدميه وقلب مفتوح وأخيراً عملية لحام عظام القفص الصدري بمستشفى “المقاولون العرب”، وإن ذلك كلفه الكثير من المال، مما جعله يعاني مادياً، خاصة أنه ظلّ لفترة طويلة يعالج من جلطات كثيرة تعرض لها في الساق والمخ وتلقى علاجاً لفترة طويلة في أحد المستشفيات السعودية المتقدمة. وقال شلبي: “أنا لم أطلب من أحد أن يعالجني لأنني قدمتُ للدولة الكثير وكنت أقوم بدفع الضرائب المستحقة عليّ، وحان الوقت الذي تقوم فيه الدولة بردّ الجميل لأبنائها، ولذا كنت أناشدها أن تكرمني كما كرمت العديد من الفنانين في الإنفاق على علاجي، فهذا آخر ما كنت أتمناه في ظل ظروفي الراهنة، خاصة أنني أقوم بشراء أدوية غالية السعر (…) قمتُ ببيع كل ممتلكاتي في المنصورة من أجل توفير نفقات العلاج، وقد تكلفت الكثير وكان المبلغ الذي يطالبني به مستشفى “المقاولون العرب” فوق طاقتي، وأنا لي 6 أبناء ما زالوا في مراحل التعليم ويحتاجون مصروفات عالية من أجل استكمال دراستهم. وأنا أصبحت الآن لا أملك شيئاً سوى السّتر، لأنّ النقابة التي أنتمي إليها لم تقم بأيّ عمل تجاه أيّ واحد من أبنائها؛ ففي مثل هذه الحالات كان يجب عليها أن توفر لي الرعاية الصحية الكاملة، وحتى الآن لم أرَ نقيب المهن التمثيلية ولم أسمع صوته، وليس للنقابة أيّ دور في علاجي أو حتى مساعدتي مالياً، خاصة أنّ النقابة لا تسأل عن فنان يعاني المرض. وأسأل نفسي اليوم: “هل دورها الوحيد هو عقد الاجتماعات والتصريحات فقط؟ أم أنّ دورها إنساني بالدرجة الأولى ومساعدة الحالات الخاصة لأيّ فنان؟” وقالت زوجة شلبي إنّ زوجها يعاني الآن عدم التركيز في بعض الأحيان.. وذلك بسبب الجلطات التي تعرّض لها في المخ (جريدة “حديث المدينة” المصرية، 13 تموز 2005)
هكذا مات يونس شلبي، وهو الذي أضحك جيلا كاملا. أضحكنا لأنه “ما بجمَّعش” ومات “ما بجمَّعش”.
(زاوية “المتأمل” في ملحق صحيفة “فصل المقال)
(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 13 كانون الثاني 2007)