حليحل: لقد دُفعت نحو الإستقالة
المقال الذي كتبه الزميل علاء حليحل في صحيفة “فصل المقال” قبل أسبوعين خلق نقاشًا حادًا داخل حزب التجمع الوطني الديمقراطي وامتدّ إلى أبعد من ذلك بكثير ووصل إلى مطالبة الحركة الإسلامية بإقالته * كيف بدأت القضية؟ وكيف اتخذ قرار التوضيح داخل المكتب السياسي؟ وكيف استقال حليحل من منصبه بعد أن فرض عليه التوضيح؟ وبماذا اتهم حليحل في خطب الجمعة؟ ومن وراء كل هذه القضية؟ * “المدينة” ترصد القصة كاملة بتفاصيلها وتحاور حليحل حول الحدث
تقرير: مجد كيّال (عن صحيفة “المدينة” الحيفية)
“الملف الحليحلي” كان الاسم الذي أطلقه واحد من عشرات المدونين الذين ناقشوا بحدّه وعنف، من كل الطرفين الـ”متنازعين”، حول المقال الذي كتبه محرر صحيفة “فصل المقال” في حينه علاء حليحل، تحت عنوان “كابوس اسمه رمضان”. النقاش امتدّ وتجاوز حدث المقال العادي بكثير.
كان الأسبوع الأول بعد نشر المقال “هادئًا نسبيًا”، وشهد ردود فعل غاضبة نوعًا ما من بعض قراء الصحيفة، الذين اعتبروا المقال “مستفزًا”. في اليوم الثاني لنشر المقالة (يوم السبت) انعقد مجلس “التجمع” في الناصرة وفتح فيه تميم منصور، عضو المكتب السياسي للتجمع، النار على حليحل متهمًا إياه بـ “الكفر والإلحاد والزندقة والجهل”، وفسَّر مقاله على أنه “وقاحة وإهانة للمسلمين”. لكنّ القضية كقضية، انفجرت بعد أسبوع من هذا، عند نشر منصور مقالاً في جريدة “حديث الناس” شنَّ فيه هجومًا كاسحًا على شخص حليحل ومقاله.
“التجمع” رأى من المناسب في مثل هذه الحالة أن ينشر “توضيحًا” للقراء في أعقاب المقالة. إلا أنَّ هذا التوضيح وصل أروقة الصحيفة ظهيرة يوم الخميس، من دون علم رئيس التحرير ومن دون مشاركته القرار. واعتبر التوضيح المقال “هذه التعابير لا تمثل موقف حزب التجمع وإدارة فصل المقال، وان نشرها في صحيفة فصل المقال كان خطأ”، الأمر الذي لم يقبله حليحل. وفي نهاية المطاف، قرّر حليحل الاستقالة من منصبه، وعدم قبول أن يفرض عليه توضيح للقرار من دون مشاركته، مبينًا أنّ أيّ توضيح من هذا القبيل أو غيره عليه أن يتم بالاتفاق مع رئيس التحرير على مضمونه، على الأقل، مع تشديده على رفضه المبدئي لأيّ توضيح كان.
بعد ثلاثة أيام من الحدث، اتخذت القضية شكلاً أكثر حادًا، حيث تقدم الناطق الرسمي باسم الحركة الإسلامية، زاهي نجيدات، برسالة إلى رئيس الكتلة البرلمانية للتجمع، النائب جمال زحالقة، طالب من خلالها بإقالة حليحل، واعتبر المقال يتضمن “استهتارًا واستهزاءً وشتيمةً لأحد أركان الإسلام الخمسة”، وأنه “مجموعة تطاولات على شهر رمضان المبارك وهو بالتالي مسّ بمشاعر كل مسلم ومسلمة.” وطالبت الحركة الاسلامية “التجمع”، في خطوة غير مسبوقة لدى الأحزاب العربية، بإقالة حليحل من منصبه كرئيس تحرير.
الرسالة وصلت إلى كل المواقع الإلكترونية العربية، واحتلت الصفحات الأولى وحظيت باهتمام كبير. وردَّ الأمين العام للتجمع، عوض عبد الفتاح، للصحافة بعد رسالة الإسلامية هو أنّ حليحل كان قد قدّم إستقالته بعد كتابة المقال حين فُرض عليه نشر التوضيح المذكور. لكنَّ الامور لم تهدأ، وبدأ اهتمام القراء بها خاصة وأن التعليقات تجاوزت المعدل العام. كانت اللهجة الحادة ضد حليحل ومقالته واضحة إلى حدّ الإنفلات عليه، لكن أيضًا كان من بين المعلقين من اعتبر مقال حليحل يندرج ضمن حرية التعبير عن الرأي، وأنّ من حق الكاتب أن يكتب بلهجته الساخرة.
وامتدّ النقاش حول القضية الاشكالية، وتجاوزت كونها في الشبكة، حيث علمت “المدينة” أنَّ القضية طرحت أيضًا في خطب الجمعة في المساجد في بعضٍ من البلدات العربية التي شنّت هجومًا كاسحًا على حليحل. واعتبر البعض الاتهامات لحليحل وصلت إلى وصفه أيضًا بـ “الكافر” و”المرتدّ”. وقال حليحل، إنّ مثل هذا الهجوم “لا يمكن الاستخفاف به، ولا أعرف ماذا يمكن أن يختبئ من ورائه مستقبلاً”.
“أنا لم أتغيّر”
“المدينة” طرحت على حليحل التساؤلات التي تطرحها أطراف متطلعة كثيرة حول التناقض بين حرية التعبير عن الرأي والمصلحة الحزبية. يقول حليحل: “حتى لحظة نشوء الأزمة لم أرَ أيّ تناقض بين الأمريْن. فأنا في حزب علماني منفتح وليبرالي يدعو لدمقرطة العرب ورئيسه يعلّم الديمقراطية للوطن العربي كله. برنامج الحزب وأدبياته تشير الى ذلك بوضوح. التناقض ينشأ في تغيّرات في الحزب نفسه، وليس في مبادئه. أنا لا أرى أيّ تناقض بين تحرير الجريدة وبين إيماني كفرد بحزب يمثل فكري ومبادئي.”
يضيف حليحل: “الأمر المؤلم هو أنّ الطلقة الأولى في هذه الحرب خرجت من عضو مكتب سياسي للحزب وليس من خارج الحزب، والعضو ذاته نشر مقالا يهاجمني ويتهمني 11 مرة بالجهل والكفر والزندقة ويطالب بمحاربتي. هذا أعطى ضوءًا أخضر للحركة الإسلامية. لماذا نستغرب إذًا من الحركة الإسلامية؟! على الأقل الحركة الإسلامية لا تدّعي الليبرالية وتدافع بشراسة عن المقدسات والأمور الروحية ولا يدّعون الديمقراطية. هم لا يتحدثون عن العلمانية والتنوّر وفجأة إنتقلوا للتزمت، أي أنه ليس هنالك تحوّل عندهم، بل أنّ التحول عندنا، وأنا أربط كيفية تعاطي الحزب بهذه الأمور بالتحضير للإنتخابات وبحسابات إنتهازية غير مقبولة.”
ويتابع: “من بدأ هذه الهجمة عليّ بدأها من منطلقات شخصية، ولمجرد أني طلبت منه تخفيف وتيرة الكتابة لإفساح مجال لكتاب آخرين في الصحيفة. فجأة يتحوّل هذا الشخص إلى مدافع شرس عن رمضان، في الوقت الذي كان قبل ستة أشهر يطالب بمنع النساء المحجّبات من دخول الجامعات، وكان من أعلام العلمانية الراديكالية.”
انتقد البعض حليحل على استقالته من صحيفة “فصل المقال” و”تركه للمعركة”، بالرغم من أنّ حليحل يكشف أنه دُفع للإستقالة: “بالرغم من أني إنسان يميل للتمرّد وأحاول ان اجتاز كل الحدود، ولكني أؤمن بالنهاية بالمسؤولية الشخصية والهرمية المهنية والإدارية. عندما يريدني رئيس مجلس الإدارة أن أستقيل فلا يمكنني البقاء بالقوة. أنا دُفعت للإستقالة بشكل واضح، بعد أن فرضوا عليّ نشر التوضيح. هنالك قيادات في الصفّ الأمامي في الحزب ممّن تكلموا حاولوا امتصاص غضب الحركة الإسلامية بأني استقلت، وهذا أمر محزن ومهين لي وللتجمع، بدلا من أن يتصدى حزب التجمع لمحاولات فرض التدخل ويطالب بسحب طلب الحركة الإسلامية ويدافع عن نفسه ومؤسّساته وينتقل لموقع الهجوم كما يفعل أي جسم له هيبته وكرامته، ولكنّ الحزب لم يتصرف كبديل طلائعي ومتنور وعلماني، وأنا أستغرب من حزب يمشي وراء قائد تنويري يعلم العالم العربي الانفتاح والتنور، أن لا يحقق هذا الطرح في جريدته.”
ويضيف: “بالأساس أرى أنّ هنالك سوء فهم أساسيًا لموقع رئيس التحرير. وظيفة رئيس التحرير لا أن يراجع عناوين الصحيفة ولا أن ينقح الأخطاء اللغوية، مع أنها من ضمن مهامه، وظيفته أن يضع أجندة الجريدة وخطها الفكري السياسي والإجتماعي، وظيفة الجريدة ومحررها هو أن يكشفا الفساد ويشعلا الحروب والنقاشات. يسألون لماذا رئيس التحرير يثير المشاكل؟ وظيفة رئيس التحرير هي عدم الخوف من المشاكل لإثبات قوة السلطة الرابعة. هذه هي هيبة الصحفي والصحيفة، وأنا بالأساس أجندتي الفكرية جزء منها من أدبيات الحزب وعزمي بشارة، وعملي هو تطبيق أسبوعي لفكر التجمع حسبما جاء في البيان القومي الديمقراطي وبرنامج الحزب وكتب بشارة، من لديه مشكلة فليُعِد قراءة هذه الأدبيات.”
ويختم حليحل: “أنا كنت أمثل تيارًا، التيار الحرّ والليبرالي والمتنور، نحن تيار معارض للتحالف مع الحركة الإسلامية بأيّ ثمن، ولكن من المؤسف أنّ من عولتُ عليهم، والذين أشبعونا كلامًا وحديثا عن التنوّر وحرية المرأة والعلمانية وحرية التعبير، إختفوا فجأة. أين أنتم؟ يُحرَّض ضدّي في كل مساجد البلاد ولا أحد يكتب كلمة، حرفًا، لماذا هذا التخاذل؟ باستثناء ثلاثة مقالات داعمة لحرية التعبير بقلم نواف عثامنة ومرزوق حلبي وحنين زعبي لم ينبس أحد ببنت شفة. ولا الجمعيات ولا الأحزاب.”
عبد الفتاح: نحترم حليحل ونختلف مع بعض ما جاء في المقال
ردًا على ما قال حليحل، يقول الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، عوض عبد الفتاح لـ “المدينة”: “أولًا وقبل كل شيء نحن نفتخر بالكاتب والمثقف علاء حليحل كما يفخر كل مجتمع وحزب طلائعي بأدبائه ومثقفيه وكتابه. في المقال الذي كتبه حليحل أتت بعض الجمل والتعابير التي اعتبرها جزء من القراء مسًا بمشاعرهم، وقد كان نشرها خطأ في صحيفة تعرف بارتباطها بحزب التجمع الوطني الديمقراطي.”
ويضيف عبد الفتاح: “نحن نتفق مع بعض ما جاء في المقال، ونشدّد على نبذ بعض العادات الاجتماعية السلبية في هذا الشهر مثل البذخ وعبودية النساء، أي سجن المرأة في المطبخ طوال الشهر. ولكنّ الكاتب طرح الموضوع بأسلوب لا يساهم في التغيير الإجتماعي الذي نؤمن به ويؤمن به الكاتب، ونحن نطالب بحوار حضاري وجدّيّ في القضايا الحساسة وغير الحساسة في مجتمعنا.”
ويختم: “من جانب آخر نحن نرفض تدخل بعض الأوساط السياسية في إدارة صحيفتنا كوصيّ أخلاقيّ، ونستنكر تكريس هذا الموضوع لأغراض سياسية، فهذا ليس مسًا بحزب سياسي ولا حركة سياسية، بل هو مسّ بأحد أركان الإسلام، ونحن نرفض المسّ بأيّ ركن من أيّ دين .”
(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 12 أيلول 2008)