حلقة إنتخابية لـ “الجبهة”: بركة الشيوعي يقتبس القرآن والرسول!..
علاء حليحل
في كل حلقة انتخابية يختتم النائب محمد بركة، المرشح الأول في قائمة “الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير”، حديثه بحكمة عن شجرة الزيتون والخيار: “هناك موسم للخيار وموسم للزيتون. الموسمان متساويان في فترتيهما الزمنيتين. لكن هناك فروقًا جوهريةً بينهما. ليس لي شيء ضد الخيار، صدقوني. حتى أنهم ينادون عليه أصابيع البوبو لخيار. وفي الموسم يصبح ثمن بُكس الخيار بعشرة شيكلات. وهناك أيضًا خيار الدفيئات، الكبير ولكن عديم الطعم واللذة. من جهة أخرى، شجرة الزيتون جذورها عميقة وثابتة وحتى البلدوزر لا يستطيع إقتلاعها كلها. والجذع مجعّد وصلب، وكلما ازداد تجعيده إزدادت أصالته. كما أن الزيتون لا يحكي فلسفة. ومن فوق الزيتون دائم الخضرة، وشجرة الزيتون مقدسة في كل الأديان، وثمر الزيتون مبارك وبالزيتون كانوا يضيئون المصابيح ومنه يصنعون الصابون. كما أن بقاياه، الجفت، يستعمل للتدفئة. والله ما إلي إشي ضد الخيار، ولكن أطلب منكم أن تصوتوا للزيتون”!..
البلاغ واضح: نحن، الحزب الشيوعي الاسرائيلي و”الجبهة”، نحن الزيتون، و”التجمع” هو الخيار. كبير ولكن بدون طعم ولا لذة. وللتأكيد على هذا المضمون، اقتبس بركة الآية القرآنية التي تصدرت العدد الأول من “الاتحاد”: “أما الزبد فيذهب جُفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”. ونحن مكثنا في الأرض منذ 1919 يقول بركة، لأننا ننفع الناس. هذه لن تكون المرة الوحيدة التي يقتبس فيها بركة المرجعيات الاسلامية.
الحضور في الحلقة الانتخابية التي جرت ليلة أمس في بيت لزوج شاب في شارع هيلل في حيفا كان شبابيًا، ومن اليهود والعرب. أشبه ما يكون باجتماع دعم للمؤيدين والمقربين. جلسة إعادة ترتيب الأوراق. حتى الذين لن يصوتوا أو ليسوا مع “الجبهة”، وكانوا قلة، لم يستطيعوا أن يعكروا صفو مزاج القعدة. د. أيلان بابي الذي افتتح الحلقة تحدث عن تجربته الشخصية وقراره هجر الاجماع الصهيوني الايديولوجي والانضمام إلى “الجبهة”، الحزب العربي- اليهودي. كل من يفعل ذلك يدفع الثمن، قال بابي، وقصد نفسه. بابي مُعرّض منذ “الستار الواقي” إلى هجومات شديدة من زملائه الأكاديميين اليهود لأنه يعمل بحسب ادعاءاتهم ضد مصالح إسرائيل والأكاديمية الاسرائيلية. فبابي دعا في حينه الأكاديميات في الغرب إلى مقاطعة الأكاديمية الإسرائيلية. “ما لم يستوعبه الاجماع الصهيوني في أوسلو”، قال بابي، “أنهم لم يدركوا أن الفلسطينيين في هذا الاتفاق تنازلوا في الواقع عن (80%) من فلسطين التاريخية. الصهاينة لم يفهموا ذلك، بل أرادوا أن يقتطعوا لأنفسهم المزيد من الـ (20%) المتبقية”. بابي متشائم أيضًا. الوضع خطير يقول، ونحن ربما الدولة الوحيدة في العالم الذين نتمنى في بداية السنة الجديدة أن تكون أقل سوءًا من سابقاتها.
أحد الحضور سأل بابي عن جدوى التصويت، فليس هناك تأثير في النهاية. بابي وافق ولكنه شدد على الدور الذي تلعبه القوى الديمقراطية في الدولة في متابعة الكشف عن أكاذيب المؤسسة، ولو من باب أضعف الأيمان. هنا تدخل بركة وروى عن تجربته في الثمانينيات، عندما أقام مع رفاق له “لجنة التضامن مع جامعة بير زيت”. بركة: “في الخامس من حزيران 1982 كنا نقف بضع مئات في ساحة الدولة في تل أبيب ونخطب في المتظاهرين عن الاحتلال. خلال المظاهرة وصل نبأ بدء الاجتياح الاسرائيلي للبنان. المظاهرة تحولت إلى مظاهرة ضد ذلك، وبعد أسبوع انضم إلينا أكثر من (20000) ألف متظاهر وشعرنا بالنجاح الكبير”. بركة يتدارك فيما بعد ليشكك هو بنفسه في مدى النجاح، فهم لم يستطيعوا منع قتل إنسان واحد.
سألتُ بركة: في النهاية مظاهرة الـ (400000) في تل أبيب جاءت من قلب اليسار الصهيوني وليس من عندكم. من هنا يمكن الاستنتاج أن التغيير يأتي فقط من داخل الاجماع. ولذلك، كيف تجيب من يدعو العرب للتصويت لميتسناع، فهو واضح في طروحاته الحمائمية جدًا..
بركة: “هذا غير صحيح. المظاهرة الكبيرة التي تتحدث عنها نحن مهدنا لها. وأوافق معك على طروحات ميتسناع. ولكن التصويت مباشرة لحزب “العمل” هو عمليًا إعطاء شيك مفتوح له ولحزبه. نحن لا نريد ذلك. نحن سندعمه في كل ما سيفعله لصالح الفلسطينيين ولصالحنا. ولكن علينا أن نمتلك القوة لكي نستطيع معارضته في الأمور التي ليست في صالحنا”.
الأحاديث والأسئلة راوحت في هذا المحور، إلى أن طلب فراس، أحد الحاضرين، أن يسأل عن حجم معاش النائب وحجم التمويل الشهري الذي تحظى به الأحزاب. بركة: “النائب يتقاضى لجيبه في نهاية الشهر (10300) ش.ج. وكل حزب يحصل على حوالي (63000) ش.ج. عن كل نائب له في البرلمان زائد كرسي واحد”. لماذا إذًا لا تقومون بتعبيد الشارع أمام بيتنا في حي المحطة في حيفا، سأل فراس بحرقة. ليس من السهل الاجابة على هذا السؤال دون التوسع في حيثيات العمل البرلماني، وكنت أشعر ببركة وهو يحاول أن يمشي خطوة خطوة للإجابة على هذا السؤال. باختصار، قال بركة: “أولا، نحن ممنوعون من صرف التمويل الحزبي على أمور كهذه. هذا ممنوع قانونيًا. ثم أن تمويل الأحزاب يأتي لتمويل النشاطات والعمل الحزبي وهذا لا يقل أهمية عن تعبيد الشارع. كما أن معاش النائب العربي يذهب نصفه إلى النقوط في الأعراس. ثم أن تعبيد الشارع أمام بيتك هو من وظيفة البلدية. نحن نخوض نضالك معك من أجل تعبيد الشارع أمام بيتك. ولكن أسوأ ما يمكن أن تقوم به أقلية مضطهدة هو أن توجه سهام حقدها إلى داخلها، بدلاً من توجيهها إلى المضطهِد. وأخيرًا: النواب العرب هم الوحيدون الذي يهتمون بأمور المواطن الصغيرة، على عكس النواب اليهود وباقي النواب في العالم. نحن في البرلمان للتثميل وللعمل السياسي، وعلى الرغم من ذلك نقضي جلّ وقتنا في العمل على القضايا الصغيرة”.
بركة يربط بين القمع القومي وبين القمع الطبقي. الأرقام التي أوردها في الحلقة لا تترك مجالا للشك: المقموعون طبقيًا في دولة إسرائيل هم العرب. أي: على خلفية قومية. هذا السجال بين الأمرين هو ما يميز نضال الأقلية العربية الفلسطينية: أيهما أهم، الطبقي أم القومي؟.. في الحقيقة، لا أحد يعرف أن يقع ذلك الخط الفاصل الدقيق بين الأمرين. بركة استطاع أن يجسد هذه المعضلة في نهاية نقاش مع شاب في الحلقة عن الخصخصة وإشكاليات معارضتها الجارفة. بركة: “سأقتبس حديثًا نبويًا شريفًا: سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم يومًا، من أحب أولادك إليك. فأجاب: المريض حتى يشفى، والغائب حتى يحضر، والصغير حتى يكبر”.
بعد كل حلقة سياسية أو نقاش سياسي، يزداد لديّ الشعور بأننا، نحن العرب في الداخل، مرضاء وغائبون ولم نكبر بما فيه الكفاية حتى اليوم!..
(نُشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” في كانون الثاني 2003)