ثلاث قصائد لشربل عبود
قليلون هم الكتاب الحقيقيون؛ وعندما يحظى المرء بواحد منهم صديقًا ورفيقًا يكون قد قطع نصف الطريق إلى إيثاكا.
أنشر هنا بسرور بالغ ثلاث قصائد للصديق شربل عبود، صاحب ومدير مكتب “رؤى للترجمة” في حيفا، وكاتب متين، أحبّ كتابته وذكاءه النصي الفطري، مع أنه نادر النشر، رغم أنني واثق من أنه غزير الكتابة.
تهيب هذه المدونة بشربل وتستحلفه بكل الآلهة، السماوية والأرضية، بأن يُكثر من النشر وأن يأخذ دوره الذي يجب أن يأخذه في حياتنا الأدبية والثقافية.
أعتذر على هذه الخطبة العصماء المتأثرة والمؤثرة، وهاكم القصائد:
شربل عبود
وامدحْ ليلاً..
كي تدخلَ قلبَ حبيبتِكَ الطيّبةِ القلبِ عليكَ
اكتسابَُ مَهاراتِ القردِ الأولى: تقشيرُ المَوزِ لها، مثلاً.
كي تدخلَ قلبَ حبيبتِكَ العائدةِ الآنَ إلى البيتِ،
ذُمَّ النّهارَ الطّويلَ بلا رحمةٍ،
وامدحْ ليلاً
يأخذُ عاشقَينِ إلى شَمعتينِ وتفّاحةٍ.
كي تدخلَ قلبَ حبيبتِكَ المُعلنةِ الحربَ على الفوضى
رتّبْ غرفةَ نومِكَ: صورة الديكِِ فوقَ غطاءِ السريرِ إلى أعلى،
وإلى جهةِ الشبّاكِ يُوجّهُ مِنقارَه.
كي تدخلَ قلْبَ حبيبتِكَ العمليّةِ في كلّ شيْْءٍ
لا تخرجْ من غرفةِ نومِكَ دونَ غرضْ،
لا ولا ترجعْ من دون غرضْ،
وتَمتّعْ بالمُوسيقى في تلكَ الأثناءِ
وفكّرْ بالخُطوةِ المُقبلة!
كي تدخلَ قلبَ حبيبتِكَ المُوسيقيّةِ الأجواءِ
عليكَ، بِحُبٍّ، عدمُ ارتكابِ الكلامِ،
إلى أنْ يُنهيَ ذاكَ المغنّي رسالَته
حتى آخر حرفٍ يتوتّرُ فيها،
أو حتى يتلو التوقيعَ أخيرًا؛
ما بعدَ الرابعةِ صباحًا!
كي تدخلَ قلبَ حبيبتِكَ المُولعةِ بأفلامٍ مُبهمةِ المبنى
والمعنى..
شاهدِ الفيلمَ مرّاتٍ قبلَ العرضِ الزّوجيِّ،
لكي تبلغَ القصّةَ!
فالكلامُ على الأفلامِ خروجُ المُمثّلِ عنْ نصِّهِ.
كي تدخلَ قلبَ حبيبتِكَ الطيّبةِ القلبِ،
عليكَ، إذًا،
ألا تتدرّبَ كيف تسيرُ على حبلِ السيرك،
مع لَبُؤَة
لكن،
أن تعبرَ حبلَ غسيلٍ، في ساحةِ بيتِكَ،
من دون بلَلْ!
أنا النخلة الصامدة!
هل تَراني
أنا النخلةُ الصّامدة
أعطني ساعة
ساعة واحدة
يا حبيبي
وخذ كلّ تاريخ بابلْ
أنا يا حبيبي.. أنا مَنْ تُحبّْ!
المُذيعُ الدّخيلُ الذي يقرأُ النشرةَ الآنَ للمرّةِ الألفِ
لا يملأ القلبَ دفئًا
وهذا الشّريطُ السّريعُ الذي يحملُ الجندَ من جبهةِ النخلِ
في شاشةِ البؤسِ
يحكي عن الجندِ في الأمسِ
عن ظهرِ قلبٍ إذا شئتَ أتلو عليكَ الخبرْ..
دعْ حبيبي قليلاً
حديثَ النّخيلِ الطويلَ.. اشْربِ الصّدرَ غضًّا صباحًا
وذُبْ في دمي…
واحْكِ لي بعدَها ما يقول الرّئيسُ الخَسيسُ البَعيدُ،
الجماعاتُ،
والقادةُ القاتلونَ،
القُضاةُ
الإذاعاتُ
والقاعدةْ…
أعطني ساعةً واحدة
يا حبيبي
ولا تكسرِ القاعدةْ!
إقتربْ نحْوَ نبضي قليلاً.. وداوِ اشتياقي
إلى ريحِ هذا الصباحِ الجنونيّ
ثمّ احْك لي كلّ ما شئتَ
عن شاعرٍ يشبهُ الشّعرَ..
ثمّ احْكِ لي عن نشيدِ المطرْ..
أعطني المقطعَ المَطلعَ الآنَ منهُ
وخذْ كُلَّ أبياتِه يا قمرْ!
هل تَراني
أنا النخلةُ الصّامدة
أعطني ساعة
ساعة واحدة
يا حبيبي
وخذ كلّ تاريخ بابلْ
غُرَر
ماذا سيقولُ البحرُ
لصيّادي السّمكِ الآتينَ إليه
في فجرِ الأوّل من أيّارْ؟
سيقول لهم:
أليومَ أنا لا أعملُ
والسّمكُ الكامنُ
في أحشائي لا يعملُ
عودوا إن شئتم في غير نهارْ!
ماذا سيقولُ اللهُ
لمَنْ يصدقُ
في الأوّل من نيسان؟
سيقول له:
اليومَ كذبتَ عليَّ
اليومَ أنا إنسانْ!
ماذا سيقولُ العامُ
لمَن يصحو سوداويًّا وحزينًا
في الأوّل من كانون الثاني؟
سيقولُ له:
اليأسُ ضروريّ والحلمُ ضروريّ
في الأوّل والثاني
وهما للعملةِ وجهانِ!
ماذا سيقولُ القطُّ
الهائجُ الأرواحِ لصاحبِه المتأنّي
في الأوّلِ من شهرِ شباطْ؟
سيقولُ له:
عندي عملٌ يتكاثرُ، فاكْرم،
لا تمنحني حليب الأكلِ نقاطْ!
ماذا سيقولُ العاشقُ
لامرأةٍ تتجاهلُ وردَ خطاه الأولى عن خجلٍ،
في الأوّلِ من آذارْ؟
سيقولُ لها:
ما احمرّ الخدّ سدى
وشقائق نعمان الجرمقِ غارت
وتمرّد طيرُ الحبّ وغارْ!
ماذا سيقولُ الشاعرُ
للأرضِ المحروقةِ
في الأوّل من شهرِ حَزيرانَ؟
سيقولُ لها:
نعطي النايَ ليلتنا.
نتذكّرُ ما دمنا نحيا.
ما كانَ لنا منهُ
هو ما كانَ!
ماذا سيقولُ الشاهدُ
للربّ الأعلى عنّا نحن القتلى
في الأوّل من أيلولْ؟
سيقولُ له:
أيلولُ هو الأقسى!
إن شئتَ العدلَ لنا
مررّهُ على خيرٍ
لا شيء سوى مرّره على خيرٍ.
هذا هو ما سيقولْ!
(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 2 نيسان 2009)