تويترات الغفران
من مرة لأخرى، نحظى بفرص نادرة وغير متكرّرة كثيرًا للتعرّف عن كثب على الحقيقة البسيطة التي يحبّ الكثيرون نسيانها: التخلف ليس محصورًا في الجلابيب الإسلاموية والسّلفية، بل في الجلابيب الباباوية المسيحانية أيضًا. فالبابا فرنسيسكوس أطلق حسابًا جديدًا على التويتر (2.7 مليون مُريد حتى الآن) فيه ميزة خاصّة لا يتمتع بها أيّ حساب تويتر: إلحقونا على التويتر وستحصلون على صكّ غفران- تمامًا كما كانت الكنيسة الفاشية في العصور الوسطى تفعل. يأتي العبد الفقير إلى الدير أو الكنيسة، ويدفع كلّ ما يملك (عفوًا، يتبرّع) من أجل صكّ دينيّ مختوم سيعود عليه بفائدة عظيمة. إنتبهوا جيدًا: هذا الصكّ سيُقصّر من فترة وقوفه في منطقة “المطهر”، ريثما تتطهّر الروح قبل دخولها إلى الجنة. أشبه ما يكون بـ “VIP Club”. إذا قصّروا دورك قبل الدخول إلى الجنة فأنت لستَ بحاجة لاحتمال رائحة إبطيْ رجل لا يضع الديدورانت أو تبرّمات امرأة حامل بأنها جائعة. من قال إنّ الناس سواسية حتى في السماء؟
وبحسب “الغارديان”البريطانية، قال الكاردينال كلاوديو ماريا تشيلي، إنّ فتح الحساب في التويتر لا يكفي للحصول على صكّ الغفران، بل يجب أن تتوافر الشروط التالية أيضًا:
1- الإيمان. نعم، نعم، هل اعتقدتم أنكم ستضغطون Follow وانتهى الأمر؟ يجب أن تتسلّحوا بالإيمان. من يؤمن ويضغط Follow فقد فاز فوزًا عظيمًا. من يضغط Follow بإيمان عميق ومُتفحّم قد يجد نفسه راكبًا طزطز البابا الزجاجيّ ويسير بسرعة خيالية على الأوتوستراد نحو الجّنة. ولكن مع ذلك يُسأل السؤال: لو كنتُ حقًا مؤمنًا مخلصًا ومتفحمًا، فلماذا أنا بحاجة إلى صكّ غفران؟
2- تتبُع التغريدات والتطوّرات لحظة بلحظة، أو كما صاغها مصدر في الفاتيكان: “عليكم أن تتبّعوا الأحداث في بث حيّ ومباشر. لن يكون بوسعكم الحصول على الغفران عبر التشات في الإنترنت فقط”. فهمتم يا كسالى؟ هل اعتقدتم أنّ الله والبابا لم يزرعا برنامج تجسّس في حسابكم على التويتر؟
3- اعتراف المؤمن بخطاياه، وعليه أن يشعر بالندم والأسف الحقيقين. لمن يعترفون؟ للعصفور الأزرق؟
4- أن تكونوا أغبياء.
5- وحمقى.
إنه الانتقال من الثقافة “الأنالوجيّة” إلى الثقافة “الديجيتالية”. فحتى اليوم كان بإمكانك الحصول على كرت الغفران هذا إذا تسلقت الدرج المقدّس في روما. ولكن هذه موضة قديمة. لماذا على المرء صعود الدرج بينما بالإمكان أن “يكشط ويربح في الحال”؟.. وكيف يجب على أيّ ثورة ديجيتالية أن تنطلق وتكون مقنعة؟.. أصبتم- نحن بحاجة إلى كمبيوتر “ماك بوك إير” من شركة “التفاحة” كي نبدو أكثر ما يمكن من الكُوليّة. وليس هناك أمر مثير للهيجان الشبابيّ المؤمن أكثر من بابا كُول.
تمعّنوا في الصورة المرفقة بهذه المقالة جيدًا: البابا ينظر إلى شاشة هذا العفريت الرقميّ (كوريالايسون!) وهو يحاول إخفاء حَرجٍ بسيط بزمّ فمه وشفتيْه كما لو أنه يغالب مَغصًا. وأين اُلتقطت الصورة؟ نعم، على مركب بحريّ في ميناء ما، وقبطانان شهيّان يحملان “الماك بوك أير” بخنوع كبير. لماذا في ميناء؟.. لأنّ البابا موبايل وأونلاين 24 ساعة وفي كل مكان، 24/7، وما عليكم إلا الـ Follow. ماك بوك على الأرض، صكوك في السماء. (جورجينا، لا تنسي رجاءً إرسال طاقة زهور عملاقة باسمي وباسم مجلس إدارة شركة “آبّل” على رفع قداسته للمبيعات هذا الشهر.)
قلنا في البداية إنّ هذه الفرصة نادرة ولا تتكرّر كثيرًا، لأنّ الميديا الغربية تحبّ تصوير السلفيين والمُلتحين الإسلاميين في المُغر والكهوف وفي المظاهرات التي يحرقون فيها العلم الأمريكيّ، كرمز على “المدّ البربريّ” الذي يهدّد العالم “المتحضر”. ويأتي حساب التويتر التافه الآن ليكشف عن أنّ التخلف الدينيّ “البربريّ” موجود في كلّ مكان، في عقر دار العالم “المتحضّر”، وهم يلبسون جلابيب بيضاء مع صلبان مذهّبة وخواتم تُقبّل بشراهة عذراويّة. من يبعث طائرات رُكاب لقتل الآلاف من “الكفرة” لا يختلف في جوهره بشيء عمّن يَعد الناس بتقصير الدور قبل الدخول إلى الجنة لمجرد أنه كبس Follow. الاثنان يتعاملان مع البشر على أنهم خراف يمكن اقتيادها لهنا وهناك وفق رغبات ومصالح أصحاب الجلابيب. والخراف بحاجة إلى راعٍ، والراعي يُغرّد منذ اليوم على هواه.
(ملاحظة للمدمنين: البابا فتح أيضًا حسابًا على فيسبوك وفورطال أخبار وحسابًا في بنتريست. هيا إلى المناهل!)
(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 18 تموز 2013)