تعامل إسرائيلي جديد مع العمليات
علاء حليحل
تصوّروا لو أنّ عملية تل أبيب، مساء أمس الأول (الجمعة)، وقعت والرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، ما زال في الحكم. كانت إسرائيل سترقص حول موقدة الدم، وربما ستقصف “المقاطعة” تحذيرًا وتنبيهًا، وبالتأكيد كانت ستوقف “التهدئة” أو “الهدنة” أو سمُّوها ما شئتم. ولكنّ ردة فعلها هذه المرة مختلفة، لأنّ من يرئِس السلطة اليوم هو محمود عباس- ولعباس تعاملٌ مُختلف!
ومنذ صباح اليوم (الأحد) والاعلام الاسرائيلي -مشحونًا من جانب المؤسسة الاسرائيلية- يبثّ سهام تحريضه نحو “حزب الله” ونحو سوريا. وكأنّ اسرائيل استيقظت اليوم صباحًا لتكتشف ولأول مرة في حياتها، أنّ مقر “الجهاد الاسلامي” في دمشق (يا ويلاه!)، ولذلك يجب معاقبة سوريا على ذلك. ناهيك طبعًا عن تسليط التحريض وبكثافة على “حزب الله”- وهذا ليس صدفةً أبدًا.
فبالنسبة لإسرائيل (وبالتالي: أمريكا) على “حزب الله” أن يفقد قوته في لبنان، لأنه القوة الأخيرة الصامدة في وجه حرب طائفية محتملة، في ضوء انقياد المعارضة اللبنانية وراء العمالة لأمريكا وإسرائيل (مع تفاوتات في الحجم وفي العلنية). فعلى الرغم من تبعيته الدينية أثبت “حزب الله” أنه حزب عربي شمولي، تسيّره الدوافع الوطنية اللبنانية (المشبوكة بقليل (وأحيانًا والحق يُقال الكثير) من التعاطف الأيراني- ولو تنظيميًا).
وقد كتب عاموس هرئيل في “هآرتس” وغيره في المواقع الشبكية الإخبارية العبرية والصحف الأخرى، عن تقديرات الأمنيين الاسرائيليين حول “ضلوع سوريا وحزب الله” في عملية تل أبيب. وفي كل مرة ينصدم المرء من جديد من تبعية الاعلام الاسرائيلي متذيلاً بتوجيهات السلطة، وهو إعلام “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”!
وتنضاف إلى ذلك محاولة عباس تبرئة نفسه من العملية عن طريق تحميل مسؤوليتها على “أطراف خارجية” أو “طرف ثالث”، وهذه غاية في النذالة السياسية، خاصةً في الفترة الحرجة التي يمرّ بها لبنان وسوريا! فإذا كان عباس يعرف من الفاعل فليُضئ ظلام عتمتنا، وإن لم يكن يعرف فليصمت. وربما هذا ما دفع الوزير الفلسطيني، غسان الخطيب، صباح اليوم (الأحد)، إلى إنكار اتهام السلطة (عباس) لـ “حزب الله” بمسؤوليته عن العملية.
وقد يُفهم تصرف السلطة الفلسطينية وعباس على رأسها في سياق رغبته في حرف الضوء وعدم تسليطه على النزاعات الداخلية الفلسطينية، التي برزت في شريط الفيديو الذي تركه منفذ العملية، والذي قال فيه إنه “يعتب” على الدور الذي تلعبه السلطة الفلسطينية اليوم- وهذه ألطف صياغة يمكن وصف ما قاله بها. هذا مفهوم وقد يكون شرعيًا في السياقات الحالية؛ ولكن هل يصحّ في سبيل فعل ذلك اتهام إخوتنا المأزومين في ألف أزمة؟
عباس لم يتصرف بما يليق في أول اختبار “عمليات” له منذ انتخابه. حتى في نظر إسرائيل هو مذنب ولكن يجب توجيه اللوم باتجاه لبنان وسوريا- فهذا أسلم وأجدى نفعًا في سياق الحرب الجديدة في الشرق الأوسط، ناهيك عن أنّ “الفرفور ذنبه مغفور”!
(نشرت هذه المادة في موقع ’عرب48’’ بتاريخ 27 شباط 2005)