تحصين للنساء الآن! ..
علاء حليحل
تكمن أهمية «التجمع»، السياسية والثقافية والاجتماعية، في نظري الشخصي، وهذه المقالة هي رأي شخصي وليس رأي الصحيفة، في أنه حزب المواقف، أكثر من كونه حزبًا شعبيًا كاسحًا، يحصد الأصوات، كإنجاز أساسي ورئيسي يضعه نصب أعينه. وكونه كذلك، فإنّ «التجمع» ثبّت منذ إقامته خطًا فكريًا وسياسيًا تحوَّل إلى حجر الزاوية في الخطاب السياسي السائد، اليوم، كتيار مركزي بين العرب الفلسطينيين في البلاد، وهو ما يقلق المؤسسة الصهيونية ويحملها على محاولة القضاء عليه، بشتى الوسائل، آخرها تلفيق التهم بحق رئيسه، د. عزمي بشارة.
ولو قُيّض لي، في خضمّ المداولات المنفتحة والمباركة الجارية على صفحات «فصل المقال»، عشية المؤتمر الخامس، فسأسجل هنا، أنّ «التجمع» لم ينَلْ نفس النجاح فيما يخصّ القضايا الاجتماعية، على المستوى الداخلي، قياسًا بتثبيت فكره ونهجه على المستوى السياسي العام. ويعود هذا، في نظري مرة أخرى، من ضمن الأسباب، إلى سبب رئيس وهو أنّ القضايا الاجتماعية (مكانة المرأة؛ طبيعة المجتمع الذي نريده؛ توجه الحزب تجاه الدين والتقاليد؛ الحريات الفردية والشخصية) غير محسومة في أروقة الحزب تمامًا، ولم تحظَ حتى الآن بنقاشات مُعمّقة أوضحت هذه القضايا وثبتتها.
من هذا المنظار فإنّ قضية تحصين أماكن مضمونة للنساء في هيئات الحزب التمثيلية، قائمة الكنيست، المكتب السياسي واللجنة المركزية، ما زالت موضع خلاف وفحص، طالا حسب رأيي كثيرًا، ونزعا مصداقية مُعينة عن مقولة إنّ «التجمع» هو حزب «قومي ليبرالي». فمقياس الليبرالية ليس في صالح الحزب في هذا الشأن، أبدًا، وربما هذا ما حدا ببشارة، بعد انتخابات 2006 مباشرة، إلى طرح ضرورة تحصين أماكن متقدمة ومضمونة للنساء في قائمة الكنيست. فقائمة الحزب هي وجهه وجبهته، وهي ما يراه الناس وهي هويته التي يعرضها الحزب على الملأ، أكثر بكثير من برنامجه والنقاشات التي تدور في المكتب السياسي واللجنة المركزية وحتى مداولات المؤتمر.
أنا في الحقيقة أقلل من شأن الادعاءات التي ترد الآن (ووردت سابقًا) في هذه القضية، من ناشطين وقياديين في الحزب، مفادها أنّ تحصين مواقع للنساء سيضعف قدرات الحزب الانتخابية، ولكنني لا أقلل من شأن أنّ المعركة الانتخابية القادمة ستكون حاسمة بالفعل لـ «التجمع»، في نفس الوقت. فالافتراض الضمني بأنّ وجود امرأة في المكان الأول أو الثاني أو الثالث سيُضعف من قوة «التجمع» الانتخابية هو افتراض مخطوء في أساسه وهو يتجاهل حقيقة ساطعة أنّ مصوتي «التجمع» هم شريحة مُتميّزة تريد نساءً في مواقع صنع القرار وفي المواقع التمثيلية في الصف الأول. ووجود نساء في مواقع متقدمة في القائمة سيثبّت المصوتين الحاليين وسيجلب بالتأكيد مصوتين ومصوتات آخرين وأخريات للحزب يروْن في هذا الأمر ضرورة حان وقتها.
لا يمكن لـ «التجمع»، بعد مرور أكثر من 11 سنة على تأسيسه، أن يستمرّ في الاختباء وراء «ضرورات انتخابية»، وأعتقد أنّ الوقت حلّ كي يبدأ «التجمع» بالتفكير مليا بطبيعته الاجتماعية والطلائعية، على مستوى مكانة المرأة (ولنترك في هذا النقاش المسائل الأخرى الاجتماعية التي طُرحت أعلاه، فهي شائكة أكثر بكثير). كما أنّ «التجمع» أفرز حتى اليوم طاقات نسائية ونسوية هائلة تضاهي وتتفوق في نظري على الكثير الكثير من الطاقات الرجولية الموجودة فيه، من دون الانتقاص من هذه الطاقات الرجولية. في «التجمع» نساء نباهي بهنّ الأمم، ولكننا للأسف، نختار عدم فعل ذلك، ربما لتخوّفات وربما لحسابات سياسية، أجماهيرية كانت أم داخلية، على مستوى ترتيب القوائم الانتخابية، وعلى مستوى التنافسات الفردية.
أقتبس هنا ما ورد في البرنامج السياسي لحزب «التجمع» الذي أُقرَّ في المؤتمر الرابع: «يعمل التجمع على تنظيم وتحديث المجتمع العربي داخل اسرائيل، ويسعى الى بلورته كأقلية قومية متماسكة ومتعاضدة (…) من خلال تشجيع مشاركة المرأة في الحيّز العام ومساهمتها في البناء المجتمعي. ويدعو الحزب إلى بناء الهيئات القيادية على أسس ديمقراطية وعصرية ووطنية». كيف يمكن أن ينشأ هذا البوْن الشّاسع بين الطرح السّياسي المكتوب وبين التطبيق الفعلي؟
على المؤتمر أن يطبّق ما صاغه بنفسه؛ عليه أن يسجّل المواقف وأن يُعلن المبادئ. هذه هي مهمته الأولى، في هذه الفترة الصعبة. وإذا كان «التجمع» سيخسر معارك انتخابية مستقبلية فهو سيخسرها بسبب الهجمات والتآمرات عليه، ربما، ولكن، وبالتأكيد، ليس بسبب وجود امرأة في الموقعين الثاني والرابع أو الخامس، مثلا. كل ادعاء كهذا هو إما رفضية رجولية أو تستر تحت «واقعية سياسية» مُدّعاة، لا أساس لها من الصحة.
(نشرت هذه المادة في موقع ’’عرب48’’ بتاريخ 22 حزيران 2007)