تبارك اسم الكوندوم
سأبدأ المقالة بالسّطر الأخير: تخلفوش كتير (أو بالمرة)!
فقد احتفل العالم، أمس الأول، بولادة طفل المليار السابع: الرفيقة دنيكا مي كماتشو دخلت التاريخ من أوسع أبوابه بمجرد إطلاقها لزعيقها الحادّ في توقيت حاسم. التاريخ ينتظر بطولاتها القادمة. لكنني أشك إذا ما كانت ولادتها بطولة ما أو حدثًا ذا فأل خير (على المستوى العام وليس الخاص. تتربى بعزّ أهلها). وكلمة عزّ هنا هي مربط الفرس: أيّ عز ينتظر الكوكب الأرضي مع عشر أو إثني عشرة مليار من الكائنات البشرية التي تدبّ على اثنتين (وتأكل وتتبرز مثل التي تدبّ على أربع)؟
جميع المؤشرات تدلّ على أننا كبشرية ماضون بسرعة كبيرة نحو انفجار سكّانيّ مُهلك. لقد بدأ الأمر في أفريقيا: أناس كثر وطعام وماء قليلان. إذا انهار الاتحاد الأوربي بعد سنتين مثلا (اللهم حافظ عليه، فلدينا بروبوزولات عديدة في الدُرج) فمن سيطعم مليارات الجائعين والمرضى والعطاشى؟ الغرب يدفع ضريبة استعماره الآن بمُسكّنات “إنسانية” فوتوجينيك، لكنها بالأساس حلول ووقاية يسعى من أجلها الغرب: فهو يطعم الجياع في بلدانهم كي لا يبدأوا الزحف باتجاه دُوله.
البشرية –كعادتها- غبية في المحصلة: حروبات ونزاعات وإهلاك قاتل لقطعة الأرض الصغيرة التي تقلنا منذ دهور سحيقة في رحلة كونية بلا خارطة. نتكاثر بلا وعي ونقول: الرزق على الله. المشكلة أنّ أحدًا لم يوقع عقدا معه بشأن المصروفات السنوية لإطعامنا. يسمونها “كوتا”. أين الكوتا أبا عيسى؟
الهندسة الوراثية التي تهدف لمضاعفة المحاصيل الزراعية تجعل من طعامنا مأكولات بلا طعم حاملة لوباء سرطانيّ محتمل سيحصد الأخضر واليابس. ما نحن بحاجة إليه اليوم هو “كيّ القرص الصلب” (بلغة الاحتلال الإسرائيلي الهايتكيّة) لمفهوم العائلة والتناسل والبقاء. فلنقل منذ اليوم: ابن(ة) -وربما اثنان- لا أكثر.
الكرة الأرضية ضاقت ذرعًا بنا: نلوثها كالمجانين ونمصّ خيراتها حتى الثمالة. نتركز في الصراعات المرحلية وننسى الصراع الأكبر بيننا وبين هذه المساحة المُعطاة الصغيرة من الأرض. نحن في مواجهة معضلة بسيطة جدا: كي يستمر الجنس البشري عليه أن يتقلص. بهذه البساطة. لا نريد (أنا على الأقل) 10 مليارات من الناس بعد عشرين سنة (على أكثر حدّ) فليكونوا سبعة مثل اليوم. فليكن عدد المولودين بعدد الراحلين. تحديد النسل الكوني هو أمر الساعة وملاذنا الأخير المتاح. لن ينفعنا “الآيفون سبعة” بعد عشر سنوات. هل سنأكل آبس بدلا من البندورة؟
هذه مهمة صعبة وأعتقد أنها شبه مستحيلة ولذلك يجب أن تكون دكتاتورية وقمعية. على كلّ دولة أن تجمع مواطنيها وتقول لهم: حسنا، لهونا كثيرًا وتضاجعنا كثيرًا، ولكن ردّدوا معنا الآن رجاءً بصوت واحد: ك..و..ن..د..و..م.. نعم بالميم وليس بالنون. الكوندوم هو مُخلص البشرية ولذلك يجب صنع بعض التماثيل له والدوران من حولها مرتين أو ثلاثا في السنة، فعدد سكان الأرض لا يسمح بموسم طواف واحد للجميع.
“يا عمال العالم خلصوا برّه!” هو شعار المرحلة؛ تبّتْ يدا (وخصيتا) المخالفين ولتقع عليهم أقصى العقوبات. وإذا كانت البشرية بحاجة إلى “ستة-عشرة” أبناء وبنات في السّابق للفلاحة وكسب الرزق (والطوش الحمائلية)، فما الحاجة اليوم لثلاثة أو أربعة أو خمسة أطافيل؟ من يستطيع اليوم تعليمهم وتربيتهم وتنشئتهم كبشر منتجين ونافعين في ظروف الحياة الراهنة؟ ماذا سيأكلون وأين سيتعلمون وأين سيسكنون (هم وأزواجهم وأطافيلهم)؟
قد يبدو تحديد النسل القسري أمرًا غير ديمقراطي ولكن لا بأس- فلتذهب الديمقراطية للنوم في هذه المسألة، لا يهمّ؛ قليل من التعسفية تنقذ حياة الإنسان. لا مجال للالتماسات الآن وعلى جمعيات حقوق الإنسان أن تصمت في هذه المسألة وإلا فإنّ ناشطي حقوق الإنسان المرفهين سيضطرون بعد عشرين سنة لمشاركة الناس الذين يدافعون عنهم طعامهم وأسرَّتهم. بيناتنا: هل تريدون ذلك حقا؟
أخواتي وأخواني: توقفوا عن الإنجاب مثل الأرانب؛ فكروا بأطافيلكم والمستقبل الأسود الذي ينتظرهم. تذكّروا أحد الكليشيهات التي تحبّون تردادها بسطحية عابرة: الكيف لا الكمّ. خزّنوا طاقاتكم ووفروا مجهودكم لليلة واحدة ناصعة، تحتفلون فيها مع الأصدقاء والأحباب، تعلنون فيها: الليلة سنزرع ثمرة حياتنا وسنهتم بأن تكون متفرّدة وجميلة ولا تتكرر.
(ملاحظة من أجل النزاهة: محسوبكو شارك في إنجاب دُشة وإم الدشة مُصرة على ولد آخر، لكنني أرفض بتعنّت. لا أعرف إلى متى سأصمد. تقبل التبرعات بالفيزا والشيكات…)
(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 2 تشرين الثاني 2011)