بالجمال وحده؟
عرضت القناة الثامنة الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، الفيلم الوثائقيّ “ليدي كل العرب”، من إخراج ابتسام مراعنة. الفيلم يروي قصة الفتاة العربية الدرزية دعاء فارس (تسمّي نفسها أنجلينا، تيمّنًا بأنجلينا جولي) التي نافست على لقب ملكة جمال “كل العرب”، ثم تسجّلت في نفس الوقت للمنافسة على ملكة جمال إسرائيل. وعندما أعلمها القيّمون على المسابقة الثانية أنها يجب أن تختار بين المسابقتين (فلا يصح أن تكون ملكة جمال كل العرب وإسرائيل في نفس الوقت) وصل الفيلم ذروته الأولى، في طرحه لصراع الهوية في الدولة لدى العرب.
الذروة الثانية في الفيلم كانت عند ذهابها مع والدتها إلى بيت الشيخ موفق طريف لطلب المغفرة من “الطائفة” بأنها تجرأت على الترشح لمنصب ملكة جمال إسرائيل وإهانة “مشاعر” أبناء الطائفة. فترشحها هذا خلق جوًّا عاصفًا من الرفض تجلّى في قمّته في القبض على عمها واثنين آخرين خططا لقتلها لمحو العار.
القويّ في هذا الفيلم هو عدم إعلان وصاية على القصة، عدم إطلاق أحكام أخلاقية على قضية الترشح لملكات الجمال من جهة، وعلى الترشح لمسابقة دولة إسرائيل (من عربية درزية) من جهة أخرى. مراعنة روت القصة بحكمة وبهدوء، وتركت المجال لأبطالها كي يرووها بلغتهم، بمشاعرهم، بدوافعهم وأحلامهم. هذا قرار فني هام جدًا أعتقد أنّ مراعنة راهنت عليه صوابًا، رغم أنّ الفيلم في مجمله لم يطرح غنًى توثيقيًا تجاوز التقرير الصحافيّ.
في المقابل يبقيك الفيلم بتساؤل كبير: هل أنا مع دعاء فارس؟ هل المعركة على تحرر المرأة والإنطلاق بحريتها وأحلامها يتمّان عن طريق مسابقة لملكة جمال، تفعل فعل القمع والتخلف المضاد، فتضع المرأة مجددًا في سوق اللحمة والأفخاذ والأوراك؟ من جهة تتضامن مع هذه الفتاة الحالمة الشجاعة، ومن جهة أخرى يزداد احتقارك لمثل هذه المسابقات، لدرجة تجعلك تتمتم في نهاية الفيلم: شو بدك بهالشغلة؟
ملك اليهود
قرر رئيس الوزراء إيهود أولمرت، أخيرًا، أن يعلن انسحابه من الحلبة السياسة، مساء أمس الأول الأربعاء، وها هي دولة إسرائيل تدخل في معمعان سياسي جديد. في نفس الليلة، وفي نفس نشرة الأخبار، بُثّ تقرير عن قتل الطفل محمد موسى (9 سنوات) برصاص جلاوزة “حرس الحدود” في قرية نعلين التي تتظاهر مُستميتة على حماية أراضيها من وحش الجدار الفاصل العنصريّ، وقبلها بأسبوع شاهدنا إطلاق النار بدم بارد على فلسطينيّ متظاهر أعزل وهو مربط وواقف بين قائد الكتيبة وجندي فيها.
في دولة ديمقراطية حقيقية كان يجب أن يقف أولمرت ويعلن استقالته على هذين الأمرين اللذين يجسدان ببساطة عمق الأزمة الأخلاقية التي ألمّت بدولة اليهود، والمخيف حقًا، أنّ الأزمة في بدايتها، ليس إلا. على أولمرت وحكومته أن يذهبا إلى البيت جراء جرائم الإحتلال الفاشية، وليس لأنه دحش في جيبه بضعة آلاف من الدولارات. لست أخاف على نقاوة الحكم في إسرائيل بقدر ما أخاف على أخوتي العزل المتظاهرين مقابل أشرس الجنود وأعتاهم في العصر الحديث. أولمرت إلى البيت، فداءً لدم محمد موسى.
نزار قباني مجددًا
نشرت صحيفة “الحياة” اللندنية، هذا الأسبوع، قصائد وكتابات للشاعر المتوفى نزار قباني، لم تنشر من قبل. وهذه فرصة جديدة للتوقف مجددًا عند هذا الشاعر، الذي اخترق جميع الحواجز ومنحنا مراهقة جميلة وغنية بالحبّ العذريّ والحسّيّ، بمفردات العشق الضرورية لبناء تواصل مشاعريّ وجسدي مع من أحببنا.
تلك كانت فترة الغليان وقباني كان بركان الحمم. والآن، في قراءة جديده، تعود ذكريات المراهقة ومحاولات كتابة الأشعار (الفاشلة) بالأسلوب النزاريّ. لا زلت أذكر حتى اليوم حين وقفت المعلمة ليلى، معلمة العربية في الصف العاشر في ثانوية فم الذهب في الجش، وقرأت قصيدة لي كتبتها بوحي دواوين نزار، يقول مطلعها: “إليّ بعد طول الغيبة أكتبي/ قد تنازلت عن كبريائي فلا تعجبي/ قد ظننت أني الأمير في الهوى، فأيقنت أنني عاشق معجب”.
أعتقد أنني أذكر هذه القصيدة لأنها –بنظري وبنظر قرائي الثلاثة آنذاك- أفضل ما كتبتُ من الأشعار. وإذا كانت هذه أفضل ما كتبت من الأشعار، فتصوروا لو أنني استمريت في درب نزار. أعتقد أنه كان سينتحر قبل أوانه بكثير!
والختام له من جديده:
الشِعرُ غادرني
فلا بحرٌ بسيطٌ… أو خفيفٌ… أو طويلُ…
والحب غادرني
فلا قمرٌ…
ولا وترٌ…
ولا ظِلُّ ظليلُ…
(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 1 آب 2008)