الوقائع الغريبة في مخطط التصويت للانتخابات المحلية
مثل أيّ مخطط يقوم به شخص هاوٍ مثلي، نسيتُ القلم. وقفتُ أمام غرفة الصفّ في مدرسة “هَتُومِر” في عكا أنتظر دوري كي أدلي بصوتي في الانتخابات المحلية للعضوية والرئاسة، مع أنني من ناحية المبدأ من الدّاعين إلى إلغاء الانتخابات المحلية في جميع البلاد وتعيين تقنوكراطيين كموظفين لإدارة شؤون القمامة وتزفيت الشوارع.
كان المخطط بسيطًا: أنا أعرف لمن سأدلي بصوتي للعضوية (لن أخبركم، من أجل الغموض والتشويق) ولكنني لن أصوّت لأيٍّ من المرشّحين للرئاسة. ويتمثل المخطط الجهنميّ باستلال ورقة صفراء فارغة وكتابة الاسم الذي اخترته لرئاسة بلدية عكا. هذا الاسم ليس من بين الأسماء المرشّحة وبالتالي من المتوقع أن يحمل على الضحك وربما التندّر، وسأكون شاكرًا ومُمتنًا إذا حظيتْ هذه الورقة بخط يدي بـ 15 دقيقة مجد ورواج في ديوانة الفيسبوك.
هل رأيتم كم أنني هاوٍ في المخططات؟ لم يخطر في بالي أن أصوّر الورقة بنفسي بجهاز الجالاكسي 4 إس الجهنميّ. يا للحسرة. كيف يمكن أن ينسى المرء الفيسبوك في أيّ مخطط يديره في أيامنا هذه؟
ولكنني نسيتُ القلم أيضًا. قلم أسود ثخين بعض الشيء، اشتريته من متحف الفن المعاصر في أمستردام، وأحبّ شكل الخط الأسود الممتلئ الذي يُخلفه على الورق. وبسبب الانشغال في تحضير زوّادة الدُشّة وربط شعرها بما يليق بمقامها، نسيتُ القلم على الطاولة. لم يبقَ أمامي إلا شخص واحد قبل الدخول إلى قاعة التصويت. لم أفهم لماذا يوجد طابور طويل للتصويت الساعة 8:12 صباحًا. وبين هذا وذاك، رأيت أنّ هناك مُنظمًا يقف في الباب فسألته عن قلم، فخذلني.
كنتُ على وشك الانسحاب من الطابور والعودة إلى البيت لجلب القلم الأمسترداميّ لكنّ معدتي قرصتني أول قرصاتها الصباحيّة، وشعرتُ ببداية جوع خفيف، فانثنيتُ. لو كنتُ محاربًا في فيلم هوليووديّ لقتلت على الفور فأرًا كبيرًا وشويته والتهمته. لكنني مجرّد أب أوصل ابنته إلى الروضة، وهو يحاول التصويت بسرعة والعودة إلى البيت لتناول ساندويش لبنة مع “زر بندورة”، والاستمرار في الترجمات البغيضة اليومية.
دخلت غرفة التصويت وأعطيتهم هويتي الزرقاء الكالحة، شطبوا اسمي من القائمة بعد أن استصعبتِ الموظفة التي تشطب لفظه كما يجب. ثم طلبتُ منها قلمًا. نظر الثلاثة إليّ باستفهام، فقلت لهم بصراحة متناهية: أريد تسجيل اسم مرشح للرئاسة على ورقة فارغة. حاول أحدهم (يبدو من علوّ صوته أنه رئيس الصندوق) أن يُفهمني أنّ هذا سيؤدّي إلى إلغاء صوتي، فابتسمتُ معربًا عن ثقتي بأنّ هذا هدفي أصلاً.
من وراء الستار تمعّنتُ بالأوراق، واستللتُ ورقة العضوية البيضاء، ثم استللتُ ورقة صفراء فارغة وكتبت عليها اسم مرشحي المفضل للرئاسة بالعربية والعبرية. رميتُ المغلفيْن في الصندوق وما أن أخذتُ بطاقة الهوية من أمير الصندوق حتى هرعوا جميعهم (أعضاء الصندوق والمراقبين) وتحرجموا عند الستار وبدؤوا بفحص أوراق التصويت. ضحكتُ رغمًا عني. قلتُ لملك الصندوق: هل هذا بسببي؟ لا تخافوا لم أخربط أيّ أوراق.
وبلهجة اعتذارية قال مؤكدًا إنّ هذا روتين يقومون به كلّ نصف ساعة من أجل التأكّد من سلامة ترتيب الأوراق وعدم خربطتها كما يفعل المخربطون. قررتُ تصديقه والتنازل عن مكانة المشتبه به المغرية نوعًا ما في هذا السياق.
في الخارج، فككتُ رباط الدراجة الهوائية، وعندما اعتليتها كانت ابتسامتي أعرض من الشارع المزفّت للتوّ، وأنا أحاول تخيل ردّ فعل خليفة الصندوق أثناء فرز الأصوات، وهو يستلّ الورقة الصفراء التي كتبتُ عليها بالعربية والعبرية: أنطون تشيخوف.
(نشرت هذه المادة في مدونة علاء حليحل في تاريخ 22 كانون الأول 2013)