المَحاضِر غير الحاضرة
علاء حليحل
يخوّل قانون لجان التحقيق الرسمية الإسرائيلي أعضاءَ اللجنة المُعينة ورئيسها بإجراء مداولات سرية خلال عمل اللجنة، إذا كان هذا يفيد في “الحفاظ على أمن الدولة، على علاقاتها الخارجية، ضمان شأن اقتصادي حيوي للدولة، أو الحفاظ على سرية أعمال وخطوات شرطة إسرائيل، أو من أجل الدفاع عن الأخلاق أو الحفاظ على سلامة الإنسان” (البند 18(أ) من قانون “لجان التحقيق”، 1968).
وهذا ما فعلته “لجنة فينوغراد” الحالية، حتى الآن، حتى بعد رضوخها لتوجه المحكمة العليا بفتح محاضرها للجمهور، من خلال موقع على الانترنت، إذ أنّ الكشف عن هذه المحاضر سيأتي بعد معاينة وفحص تقوم بهما لجنة من الرقابة العسكرية وممثل دائرة أمن المعلومات في شعبة الاستخبارات العسكرية، تقرأ وتصدّق على المضامين المنوي نشرها، بحيث تضمن هذه الرقابة بأنّ المعلومات الواردة لن تُضرّ بأمن الدولة.
من هنا، فإنّ “الكشف العام” عن محاضر اللجنة التي تفحص المسالك والتصرفات القيادية الإسرائيلية في الحرب الأخيرة على لبنان، هو كشف منقوص سلفًا، وهو ينضوي ضمن سياسات تقديس “أمن الدولة” المتبعة في إسرائيل، التي لم ينجُ منها حتى قانون حرية المعلومات المزعوم، المنشور قبل سنوات، الذي من المفروض أن يضمن حرية نشر ومعلومات كما يليق بنظام ديمقراطي سويّ.
المشكلة الأساس ليست في حق الدول، مبدئيًا، في الحفاظ على مصالحها، ولكنها كامنة في تجيير عقلية تقديس “أمن الدولة” في إسرائيل الصهيونية، لجميع مناحي الحياة، تقريبًا، مع افتقاد للقدرة البسيطة على الاستئناف أو المساءَلة. وهذا طبعًا يكتسب الكثير من المفارقة والعبثية، حين يكون موضوع لجان التحقيق أمنيًا صرفًا؛ فكل عمل “لجنة فينوغراد” يتمحور في شؤون أمنية، وبالتالي، فإنه يمكن التصوّر أنّ المشطوب من المحاضر المُطلَقة إسارها، أكبر أو يعادل المُحكم إسارها، ويمكن أيضًا المغامرة والقول إنّ ما سيُنشر من هذه المحاضر لن يكون ذا فائدة تُرجى في تحقيق “كشف حقيقي” حول هذه الحرب الغبية والسافلة.
وبالتالي، وبمزيج من السخرية، يمكن القول إنّ “حزب الله”، بقدراته الاستخباراتية المتطورة التي أثبتها في الحرب الأخيرة، سيستمر في كونه ذا اطلاع أكبر وأوسع على “أسرار” إسرائيل الأمنية، أكثر بكثير من أي مواطن يعيش في هذه الدولة!
(نشرت هذه المادة في موقع ’’عرب48’’ بتاريخ 12 أذار 2007)