الكل بيد “القسام”..
علاء حليحل
في الدُرج العلوي في مكتب شاؤول موفاز، وزير “الأمن”، خطط عسكرية جاهزة لاحتلال غزة. في بداية هذا الأسبوع بدا أن موفاز ينفض الغبار عن هذه الخطط ويعيد الحياة إليها. السبب: قذائف “القسام” التي عادت إلى السقوط داخل الأراضي الاسرائيلية، وخاصةً في سدروت في الجنوب. البعض قال نهاية الأسبوع الماضي إن سدروت تحولت إلى كريات شمونه النقب.
المحلل للشؤون الأمنية في صحيفة “هآرتس”، ريئوبين بدهتسور، قال في حديث لـ “المشهد الاسرائيلي” إنه لا يعتقد أن إسرائيل ستخرج إلى إحتلال غزة قبل الهجوم الأمريكي على العراق. في نظره هذا ممكن في حالة واحدة فقط: أن تسقط قذيفة “قسام” في حضانة للأطفال وتكون النتائج مروّعة، “عندها سيخرج شارون في حملة على غزة، قبل تشكيل الحكومة وقبل الهجوم على العراق، لأنه سيرى في ذلك تلبية لرغبات الجمهور الاسرائيلي”.
– هل تعتقد أن من مصلحة “حماس” أو “الجهاد الاسلامي” فعل هذا في الوقت القريب؟
“أنا لا أعتقد أن “القسام” متطور من ناحية تقنية وفنية لكي يكون بمقدور أحد أن يوجهه إلى مكان محدد بهذه الدقة. ثم أن “حماس” وغيرها يسعون طيلة الوقت للمسّ بإسرائيليين، بغضّ النظر عن أي شيء آخر.”
الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل يجعل الأمور أكثر تعقيدًا من ناحية المؤسسة الاسرائيلية. فبدون حكومة مستقرة من الصعب جدًا قيادة حملة دموية (للطرفين) في داخل غزة. بدهتسور يرى أن مثل هذه الحملة لا يمكن أن تحدث قبل الهجوم على العراق، كما ذُكر، وهو يرى فيها لو تمت “غباءً سياسيًا”.
– كيف تنظر إلى الخطط الجاهزة لاحتلال غزة، هل هي للمدى البعيد أم القصير؟
“أعتقد أنها للمدى البعيد. تعالَ لا ننسى أن إسرائيل تحتل الضفة الغربية عمليًا منذ عشرة أشهر.”
– يخيل إليّ أن لا حل عند إسرائيل للوضع القائم. هل توافقني؟
“أعتقد أن على إسرائيل أن تدير حربها ضد المخربين أنفسهم وليس ضد الفلسطينيين. وذلك عن طريق المخابرات والاستعانة بالوحدات الخاصة. لا يمكن الانتصار على الإرهاب حتى النهاية. لا يمكن حل النزاع بدون حل سياسي ومفاوضات.”
– فيما لو تجددت المفاوضات، وانسحبت إسرائيل من المدن الفلسطينية، ثم جرت عمليات داخل إسرائيل. ماذا سيحدث؟
“على إسرائيل عندها أن تضرب المخربين كما ذكرت الآن.”
– ولكن نحن رأينا أن السبل التي تحدثتَ عنها ألحقت خسائر جسيمة في الأرواح عند المواطنين الفلسطينيين. ثم أنه سيكون أبسورد أن تدير إسرائيل المفاوضات بيد، وتقتل الفلسطينيين بيد أخرى..
“طبعا سيكون هذا أبسورد. لا يوجد حل آخر.”
– هل ترى إطلاق قذائف “القسام” أمرًا مدبرًا من الهيئات العليا في التنظيمات أم أنه مبادرات فردية أو مجموعاتية من الميدان؟
“الحالتان معًا. هناك تخطيط من ‘حماس‘ وهناك مبادرات فردية من أشخاص معينين.”
حتى لو لم نتبَنَ كل ما يقوله بدهتسور عن الناحية الأمنية في هذه الأيام، إلا أنه يظل من الصعب عدم الأخذ بعين الاعتبار سقوط قذيفة “قسام” على روضة أطفال في سدروت، كما قال، أو أن يقتل (30) إسرائيليًا في عملية ينفذها فلسطيني من غزة. بالتالي، فإن إجتياح غزة ليس بالأمر البعيد من الناحية الافتراضية الفورية. بإمكان شارون أن يتسلح بجثث الأطفال الاسرائيليين وأن يفرض على بوش واقعًا، لن يكون بالجديد أبدًا: تواجد الجيش الاسرائيلي في غزة، كما يتواجد الآن في كل مدن الضفة.
إجتياح غزة لم يتم في الأساس، بسبب الخوف الاسرائيلي من نتائجه، والتقدير بعدد كبير من الخسائر في الأرواح بين جنودهم. فيما لو تهيّأ لشارون عدد مناسب من الجثث، يمكن أن تكون ذريعة لعدد مماثل من جثث جنوده، دون أن يثور عليه المجتمع الاسرائيلي، فإنه لن يتورع عن القيام بالاجتياح. وماذا مع أمريكا؟.. أمريكا في كل الأحوال أجّلت هجومها، واحتمالات أن تنفذ الهجوم لوحدها باتت كبيرة. أي أن رغبتها في حفظ الهدوء والتوازن في المنطقة لإسكات الشارع العربي لم يعد مُهمًا كثيرًا. كما أن الجميع تيقّن من أن إعادة إحتلال المدن الفلسطينية لا تغضب الشارع العربي إلى درجة تهديد الأنظمة. في النهاية، باستطاعة العواصم العربية وواشنطن أن يتحملوا ثلاثة- أربعة أيام من المظاهرات العابرة، كما حدث مع الاجتياح الأول!
(نُشرت هذه المادة في ملحق “المشهد الإسرائيلي” في 2003)