“الخط الأخضر” كخط أحمر!
علاء حليحل
طالبت لجنة التربية والمعارف، التابعة للكنيست، اليوم (الاثنين)، وزيرة المعارف الإسرائيلية، يولي تمير، بعدم تنفيذ توجيهاتها التي أطلقتها قبل حوالي الشهر، بشأن ترسيم الخط الأخضر (حدود وقف إطلاق النار بين إسرائيل والعالم العربي العام 1949، وحتى حرب 1967 واحتلال الضفة الغربية وغزة).
وكانت تمير قالت إنها تنوي إصدار توجيهات في وزارتها لإدخال “الخط الأخضر” في الكتب والخرائط المدرسية في المدارس اليهودية في إسرائيل، وقد سوّغت قرارها بأنّ “معرفة الحدود ضرورية من أجل تدريس التاريخ وكي يفهم الطلاب حيثيات الجدل السياسي الدائر في الدولة”. وفي أعقاب جلسة اللجنة، قالت تمير إنها لا تنوي التراجع عن قرارها.
وكان هذا القرار أثار زوبعة يمينية في فنجان الإجماع الصهيوني المتشدد في دولة إسرائيل، واعتبره بعض ناطقي اليمين “وقاحة” و”تزويرًا للتاريخ”. وكي يكون بالمستطاع فهم هذه الردود غير المُرحِّبة (كأقل ما يُقال)، يجدر بنا الرجوع إلى تعريفات وحيثيات نشوء مسألة هذا الخط.
فالخط الأخضر هو عمليًا خط وقف إطلاق النار الذي أُبرم بين دولة إسرائيل الفتية وبين مصر والأردن وسورية ولبنان، والذي تم الاتفاق عليه في محادثات وقف النار في العام 1949. وقد ظلّ هذا الخط حدودًا سياسية وعسكرية واجتماعية واضحة حتى حزيران 1967، حين اندلعت الحرب المعروفة بالنكسة، حيث احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء (التي أعيدت إلى المصريين بعد معاهدة كامب ديفيد). وقد جاء اسمه لأنّ الذين رسموه على خارطة وقف اطلاق النار فعلوا ذلك بقلم كان حبره أخضرَ.
(وإذا أردنا أن نزيد أكثر، في هذه العجالة وفي فقرة اعتراضية، فيمكن أن نذكر أنّ هناك “خطيْن أخضريْن” آخرين في المعترك السياسي والعسكري في منطقتنا. أولهما موجود في قبرص، وهو الخط الذي قسّم العاصمة القبرصية، بين شق شمالي تركي وشق جنوبي يوناني. أما الخط الأخضر الثالث فهو خط تقسيم بيروت في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990، حيث كان فاصلاً بين شرق بيروت وغربها، اللذين كانا يخضعان للأطراف المتصارعة، وسُمّي بالخط الأخضر لنمو الحشائش الخضراء في المنطقة غير المأهولة التي شكّلته على أرض الواقع.)
إذًا، فالخط الأخضر هو العلامة الفارقة، التي لا لبس فيها، على أنّ دولة إسرائيل هي دولة احتلال، والدليل هو خرقها لاتفاقية “الخط الأخضر” في العام 1967 (هذا إذا تجاهلنا النكبة وعام 48). فمحاولة التغلب على هذا الخط وما يمثله هي محاولة لتبديد آخر المصطلحات السياسية في إسرائيل التي يمكن أن تعكّر صفو وهيجان نظرية أرض إسرائيل الكبرى، حيث أنّ هذه النظرية (الدينية العقائدية) لا تكتفي بعدم الاعتراف بالخط الأخضر (المزعوم) بل هي في صراع فعليّ معه على الأرض، منذ احتلال الضفة وغزة في العام 67، من خلال المشروع الاستيطاني الصهيوني الذي بدأه ورعاه حزب “العمل”.
ومن هنا، يمكن أن نستبين بعض المفارقة في هذه الوضعية التي نشأت في إسرائيل، في ظل “الخط الأخضر”: تمير، وزيرة حزب “العمل”، مؤسّس الاستيطان وراعيه، تطالب بإعادة “الخط الأخضر” وما يمثله إلى أذهان “الإسرائيليين الجُدد”، خلافًا لنشاطات حزبها التاريخية. واليمين؟… اليمين غاضب لمجرد الوقاحة الكامنة في هذا الاقتراح، فالخط الأخضر قد أكل عليه الاستيطان والاحتلال، وشربا، حتى الثمالة!
(نشرت هذه المادة في موقع ’’عرب48’’ بتاريخ 1 كانون الثاني 2007)