الإشارات إلى السياسة، سياسة الهُوية والصراع في أعمال علاء حليحل
يخلق حليحل سياسة جديدة وجريئة تمثل اتجاهًا جديدًا في الكتابة الفلسطينية، وهي مزيج نادر من الجمالية ترتبط بالنقد الاجتماعي والسياسي، مع أنّ قصصه تُردّد صدى مواضيع الاغتراب والمقاومة التي ميزت الكتابة الفلسطينية في مراحل تكوينها
اريئيل شيطريت
استهلال
العلاقة بين الأدب العربيّ المعاصِر والسياسة مركبة ومشحونة بالأسئلة: هل لا بدّ للأدب أن يكونَ مُلتزماً بأفكار سياسيّة معيّنة وبعقيدة سياسيّة؟ أم بالعكس يجِب أن يكون فنًا خالصًا؟ هذه الأسئلة كوّنت جوهر الجدل بين أدباء ومفكرين مثل طه حسين وعباس محمود العقاد من ناحية، وبين سهيل ادريس ومحمود أمين العالم من الناحية الثانية كما ظهر على صفحات مجلة الآداب التي نُشرت في بيروت في منتصف القرن العشرين. هذا الموضوع مهمّ في السياق الفلسطينيّ بشكل خاص لسببين رئيسيين: أولا، يجب أن نذكرَ محورية الصراع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ في الواقع والوعي، يعني تغلغُل السياسة في الحياة اليومية على هذه الأرض. وثانيا، نذكر الدور المركزي للفنّ – أقصد الأدب والسينما على وجه التحديد – في تشكيل الهوية الفلسطينيّة منذ النكبة وحتّى الفترة الحالية.
نجد في الأدب الفلسطيني المحلي توتُّرا بين هذين التيارين. كما ذكر غنايم في بحثه المدار الصعب: رحلة القصة الفلسطينية في إسرائيل (1995)، إن هناك كتّابا نجدُهم يكتبون من ناحية ملتزمة وخصوصًا هؤلاء الذين انتموا إلى التيار الماركسي في المدرسة الاشتراكية-الواقعية مثل حنا ابراهيم الماركسي، وإميل حبيبي الشيوعي، وأيضا محمد علي طه الماركسي على سبيل المثال. كذلك الأمر في القصص القصيرة الفلسطينية منذ سنوات الخمسينيات والستينيات هناك موتيف التمرد يتكرر في أدبهم، النضال والثورة ضد الحكومة والسلطة الحاكمة بشكل عام بما فيه السلطة اليهودية طبعا وأيضًا العربية مثل المختار الذي دعم السلطة الإسرائيلية. هناك تعبيرانِ عن الموقف الملتزم: أولا، الناقد المتميز إميل توما الذي عبّر في مقالاته عن ضرورة الالتزام في الكتابة الفلسطينية بقوله إنه من اللازم أن يكون الأدب ملتزمًا، فقد هاجم “الأدب البعيد عن الواقع الذي يكتبه الأدباء غير الملتزمين سياسيًا” (43); وثانيًا انتمى الشاعر عصام العباسي إلى نفس الاتجاه عندما أكد أن الكتابة عن النضال والسياسة في الأدب الفلسطبني أهم من الكتابة عن مواضيع اجتماعية (44).
التيار الثاني لا يركز في التعامل على مثل هذه القضايا السياسية البارزة، ففي الخمسينيات والستينيات الكثير من الأدب المحلي عالج قضايا اجتماعية. وِفقا لبحث طه (2002) عن الرواية الفلسطينية، فقد أعطى الكتّاب العرب الاَوْلوية للكتابة عن قضايا اجتماعية بَدَلا من الكتابة عن مواضيع تُمكِّن الدوائر الرسمية أن تتهمَهم بالمعارضة السياسية، وفقط اقليّة ضئيلة كتبت عن مواضيع سياسية بما فيه نقد ضد الحكومة العسكرية في تلك السنوات. على الرغم من ذلك، الكتابة الفلسطينية التي كُتِبت بين سنوات 1964 وحتى خروج مُنظمة التحرير الفلسطينية (PLO) من بيروت في 1982 كما تُسمى وفقا للناقد فيصل درّاج (2006) “مرحلة الكفاح المسلَّح”، مرتبطة بتمثال الفدائي، البنادق، الانتصار وحافلة بإشارات متفائلة، وتتضمن كتّاب مثل يحيى يخلف، توفيق فياض ورشاد أبو شوار. فهذه أمثلة لكتابة فلسطينية فيها مكانة السياسة بارزة وواضحة. علّق طه (2002) على أن الكتابة الفلسطينية في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات المواكبة للانتفاضة الأولى تميزت بتأييد متواصل وصريح للنضال الفلسطيني (17). هذا يُشير إلى أهمية ومركزية التوتر بين الأدب الملتزم سياسيا والأدب الفني الذي يعالج مواضيع أخرى شخصية كانت أم اجتماعية.
يشدد الباحث خالد فوراني (2012) على مركزية السياسة في كتابة الفلسطينيين عندما يشير إلى أهمية معالجة مواضيع سياسية عند الشعراء الفلسطينيين، خصوصا في سنوات الخمسينيات والستينيات[1]. بالرغم من ذلك، الفجوة بين الأدب الملتزم وغيره ليست بالضرورة واضحة ومحددة ، فيمكن ألّا يحمل الادب شعارات ويُعتبَر سياسيّا، كما يقول الشاعر الراحل طه محمد علي في مقابلة معه في 2006 إنه ليس هناك شيئًا في الحياة بدون مغزى سياسي.
الكتابة المجندة ضد المتجندة عند علاء حليحل
على هذه الخلفية سأركّز فيما يلي على الإشارات إلى السياسة وسياسة الهوية والصراع الأسرائيلي-الفلسطيني في الأعمال الإبداعية للكاتب الفلسطينيّ علاء حليحل. وُلد حليحل في قرية الجش في الجليل عام 1974، وأول كتاب له رواية عنوانها السيرك نُشرت في 2001 وحازت على جائزة مؤسسة عبد المحسن القطان الأدبية. له ثلاث مجموعات قصصية علاوة على تلك الرواية وهي: قصص لأوقات الحاجة (2003) والأب والابن والروح التائهة (2008 رواية قصيرة وقصص)، ومؤخرًا كارلا بروني، عشيقتي السريّة (2011). استند بحثي على كل هذه النصوص بالرغم من أنني سأتطرَّق لبعضِها فقط بشكل مباشر.
ما هي مكانة السياسة، سياسة الهوية والصراع في كتاباته الإبداعية هذه؟ من خلال عرضي لكتاباته سأُظْهِر كيف يقدّم حليحل صورة أكثر تركيبا وثراءً من الثنائية التقليدية “الالتزام ضد الفن الخالص” أو حتى الثنائية “النقد السياسي” بمعنى الالتزام ضد “النقد الاجتماعي”، أو بمعنى آخر عدم الالتزام. إن دور السياسة يختلف من قصة إلى أخرى، وقد نجد حتى في قصة واحدة رموزا ومعانى متناقضة بدون اتجاهات واضحة تمامًا، فهذه خصوصية كتابة علاء حليحل. أحد الأسباب لهذا التعقيد هو أن حليحل مضطر للتحرك بين ثلاثة مجتمعات تكاد تَرى حُدودها المرسومة: المجتمع العربي داخل حدود دولة اسرائيل بما يعانيه من صراع من أجل المحافظة على الهوية العربية الفلسطينية ومقاومة محاولات أَسْرَلة هذا المجتمع الخ، وثانيا – المجتمع الفلسطيني-العربي في الضفة الغربية وقطاع غزة الذي يخوض معركتُه للتخلص من الاحتلال الاسرائيلي، وثالثا – المجتمع الاسرائيلي اليهودي المسيطِر. كتابة حليحل الابداعية تجوبُ هذه المجتمَعات الثلاثة أحيانا في نفس القصة، الأمر الذي يشير إلى فهم سياسي عميق، وغير عادي. هناك أيضا قصص تركز على مجتمع واحد فقط مثل قصة “الخيمة” في مجموعة كارلا بروني، عشيقتي السريّة (2011) التي تحدث في مخيم بعيدا عن الواقع الإسرائيلي الذي فيه تحدث أغلب القصص الأخرى.
تشير كتابة حليحل أحيانًا إلى الواقع “المخيمي”، فبالرغم من أنّ البيئة تختلف عن القصص التي تحدث في داخل إسرائيل فإن الواقع “المخيمي” يعتبر جزءا مهما في الهوية الفلسطينية الأوسع خصوصا إذا فكرنا من خلال مصطلح “المجتمع المتخيل” (imagined community) مصطلح ل-Benedict Anderson. يستعمل حليحل مشاهدة التلفيزيون كوسيط ليساعد في التغلب على الفجوة بين فلسطينيي الداخل والخارج في الفضاء والمدى، وتتمثل هذه الظاهرة في نص قصير عنوانه “حجر كبير” (من مجموعة كارلا بروني، عشيقتي السريّة 2011) من الإنشاء “قصص عن قصائد لم تُكتَب” يتكون من سلسلة نصوص، كل نص بين سطرين حتى تسعة. فأقتبس الآن النص بكامله: “كان الجُندي يهرسُ ذراعَ الشاب الفلسطينيِّ بحجرٍ كبيرٍ، على شاشةِ التلفاز العتيق في بيت والديَّ عندما صرتُ فلسطينيّا…” (96). السطر هذا يتكون من الإشارة الأوضح والأكثر مباشرة إلى الهوية وتكوينها في كل كتابات حليحل (مما صدر حتى اليوم)، وهذه الجملة تتضمن فيها وصف تشكيل هوية فلسطينية تتجاوز الحدود والتجارب القريبة. في هذه القصة القصيرة جدًّا بعض الأمور المثيرة للاهتمام، فأبرزها دور التلفيزيون في بنية هوية أوسع من التجربة المباشرة والمحلية أو المكان القريب، فمن خلال التلفيزيون من الممكن أن ينتمى الراوي إلى “جغرافيا خيالية” (imaginative geography)[2] وفقا لمصطلح الباحث أدوار سعيد الذي يشير إلى تكوين وبناء فكرة المكان مما يؤدي إلى الكشف عن هوية وطنية جماعية كما يحدث للسارد بطل هذا النص. هذه القطعة تُسلّط الضوء على تكوين الهوية كعملية مستمرة وإنها ليست شيئا مثبتا، كما يدّعي المفكّر سعيد عن الهوية التي تتكون – وفقا له – من خلال السرد ولم تكن واقعا حياديا أبدا.
من الجدير بالذكر أن حليحل يصوّر من خلال كتابته الشخصية اليهودية كانسان – يتغير الأمر حسب واقع النص ولا يكون فقط عدوا او جنديا أو تهديدا فحسب. ومن المهم التوضيح أن هذا القول في حد ذاتِه يكون موقَفا سياسيا. حليحل نفسه يُوضح ذلك بقوله إن:
“الأدب هو السكين التي يجب أن تذبح جميع البقرات المقدسة… الجنس والسياسة والدين، هي الأمور التي يجب أن يتناولها الأدب، وبقساوة إذا لزم الأمر، ولا يمكن لهذا أن يتمّ إذا كان الكاتب(ة) يتعامل مع نفسه على أنه “كاتب وطني” أو “ملتزم” أو “مُجنَّد”. كلّ هذه الصفات تعني مع بعض الاختلافات والمراوحات في التفاصيل، أمرًا واحدًا: خصي استقلالية الكاتب(ة) ككائن بشري وظيفـته الأولى أن يصرخ: الملك عارٍ! لا يمكنك أن تصرخ بأنّ الملك عارٍ إذا كان الملك رمزًا بالنسبة إليك.”[3]
إذ يصف كتابته بأنها “متجنّدة” وليست ملتزمة أو مجندة بالذات، فهو يشرح أن الأدب الملتزم في رأيه معناه تنكر حرية الفكر. على وجه الاختلاف الكتابة ال”متجنّدة” تخفي مغزى سياسيا ولكن ليس لها معنى ذو اتجاه واحد فقط بل على قول حليحل:
“الوطنية بنظري لا تعني الدفاع عن عرفات أو حماس أو منظمة التحرير بشكل أعمى؛ الوطنية تعني لي أن أتجند لحماية هؤلاء ضد أيّ هجوم يبغي تقويضهم كي يكسِرني كفلسطينيّ، وفي الوقت نفسه أن أنتقدهم من قلب البيت الفلسـطيني والعربي. هذه وطنية من الدرجة الأولى، لكنها في الغالب ليست وطنية “مقبولة” لدى كُتاب الصياغات في التيارات الوطنية، اليمينية واليسارية.” (المرجع نفسه)
ومن هنا أود أن أؤكد على انه في كتابات حليحل ليست هناك تصريحات بسيطة أو برنامجا سياسيّا واضحا يطرَحُهُ الكاتب بل ان هذا الموضوع يتكوّن في طُرق غامضة وغير ملحوظة مما يُشير إلى ابداع ناضج وخَصِب يُثير تفسيرات متشعَّبة. يُمكن القول إن هذه الكتابات تشير إلى الحال السياسي. من خلال إشارات مباشرة لإيمان سياسي معين وأيضا على نحو غير مباشر، أيْ من خلال رموز. بالإضافة الى ذلك كله فعندما تُشير هذه القصص الى السياسة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة لا يكون المعنى أو النية بالضرورة واضحة. من المهم أن أضيف أن في كتابات حليحل الابداعية هناك قصص كثيرة تدور حول النقد الاجتماعي-الداخلي بما يتعلق بالمساواة بين الرجال والنساء مثل “هواء البحر” الذي ينقد المنزلة المنخفضة للنساء خصوصا عند العائلات المسلمة، و”غزارة” تنقد الموقف تجاه الفتيات وفقا لقيم تقليدية. هناك أيضا قصص تنقد الأيمان بالخرافات مثل “تراب الولي الطاهر”. هذه الأمثلة تدل إلى ان السياسة التي تنكشف في القصص لحليحل متعددة الأوجه ومعقدة وليس من الممكن تبسيط الاتجهات لتحديد مجتمع واحد أو قضية واحدة فقط، فأعماله تدرك مجموعات كثيرة وحالات متعددة ومعقدة في الكيان المحلي.
الصراع الوطني أم الصراع الفردي؟
من الجدير بالذكر أن حتى عدم الاشارة الى السياسة تأخذ معنى سياسيا في السياق الفلسطيني. كما ورد في قصة “زوجي سائق باص” (من مجموعة الأب ابن والروح التائهة التي صدرت في 2008، بدون رقم صفحات) التي تروي سيرة حياة ربة بيت فلسطينية تكادُ لا تخرج من البيت أبدا. هذه القصة تنقُد مكانة المرأة في المجتمع العربي المحلي. لا تشير القصة إلى مكان معين ولكن يبدو أنها تقع داخل الخط الأخضر لأن الشخصيات تستطيع زيارة أماكن في دولة إسرائيل: “القدس ويافا والبانياس” (قطعة 4). رغم ذلك فمن المثير أن المجتمع اليهودي لا يُذُكَر في هذه القصة وحتى في التلميح، ومع ذلك يمكن القول أن الصراع موجود على شكل حاضر-غائب (parapraxis) وفقا لمصطلح لزيجموند فرويد (Freud) الذي وسّعه الباحث توماس إلزاسر (Elsaesser) ويقصد شيئا غائبا معلنًا، غير أننا نَحسّ بوجوده طوال النص، أو وراء السطور. هذه القصة تروي ذكريات امرأة غير مسمية من ليلة الزفاف منذ ثلاثين عاما وحتى الزمن الحاضر للقصة. تركز القصة على أحلامها التي لم تحقق الشيء الذي يتم التعبير عنه من خلال غياب الرحلات وكونها عالِقة في المنزل. عندما خطبت حلمت بالرحلات بأوتوبيس زوجها على طول البلاد، خصوصا بأنها ستتزوج من سائق أوتوبيس ولكنها لا تسافر أبدا بل بدلا من ذلك تنظّف الأوتوبيس كل مساء من أجل نَزع قذارة ما يُبقيه الرُكاب. أما هي فالقذارة تحيطها: على سبيل المثال في الروائح المثيرة للاشمئزاز في الأوتوبيس في مساء اليوم وأيضا فم زوجها ذو الرائحة البغيضة. تنقُد القصة حال النساء في المجتمع العربي المحلي وفي الوقت ذاته من الممكن ان نفسّر القصة من خلال دلالات عن الشعور بالركود ومنع التجول الحر عند المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، خصوصا بسبب التركيز على عدم الحرية بما يتعلق بالتنقل في الفضاء ولذلك من الممكن ان نقرأ هذه القصة في مستويين: المستوى الأول الذي هو عبارة عن نقد لوضع النساء في المجتمع العربي. المستوى الثاني يرمز إلى حياة الفلسطينيين داخل إسرائيل من حيث الشعور بالركود والضيق. من هذا المستوى من الممكن ان نفهم غياب الإسرائيليين أو الإشارة إلى الصراع في القصة، وجود غائب-حاضر.
هويات متداخلة
في قصة “باسبورت” (من كارلا بروني عشيقتي السرية، 2011) تتمازج حالتي طوارئ وهما “طوارئ ثقافي” – على حد قول البطل وهو يقصد بحثه عن جواز السفر المجدد – وطوارئ وطني وهو الحرب بين لبنان وإسرائيل في 2006. عندما اكتشف البطل أن مكتب الداخلية الإسرائيلية مغلق بسبب الحرب تبدأ رحلة متشابكة تُشبِه المتاهة وتُذَكِّر بقصة “زعبلاوي” لنجيب محفوظ: من مكتب الداخلية إلى السوق الشعبية في زقاق عكا القديمة إلى بيت قديم في السوق يسكن فيه شخص يلقب “القاضي” إلى دكان سمك إلى مطعم “طوني” حيث وجده يأكل المشوشة، إلى ميناء “البيزاني” إلى مظاهرة عفوية ضد الحرب إلى مكتب الداخلية ليسرق جواز سفره إلى شقته حيث سمع في التلفيزيون الخبر التالي: “ألغت وزارة الداخلية وشرطة الحدود العشرين جوازا التي سُرقت اليوم، وبالتالي فهي لم تعد صالحة للسفر…” (65). تجسِّد هذه القصة حالة الهويات المتداخلة (“overlapping senses of identity”) التي تعمل على تعريف وتحديد الفلسطينيين كشعب وفقا للباحث رشيد الخالدي (2010) في كتابه Palestinian Identity (19). هذه القصة تَعكِس حال الفلسطيني الذي عَلِقَ في نقطة الحدود فلا يمكنه أن يسافر من البلاد لان ليس له جواز سفر، الشيء الذي يُذكّر بالقصيدة المعروفة لمحمود درويش، وقصيدة راشد حسين وشعراء فلسطينيين آخرين لأن الجواز تيما (theme) مركزية في الأدب الفلسطيني، وأما هذه المرة فحالة الحرب بشكل عام هي المسؤولة عن مشكلة البطل، وهذه ليست عملية قامت بها حكومة إسرائيل ضد الفلسطينيين بالذات، وهذا تغيير مثير خارج عن المألوف من ناحية مغزى سياسي. حيث أنه موجه ضد الفلسطينيين بالذات، بل نتيجة لمضاعفات سياسية أوسع وأعقد من ذلك. من المهم أن نلاحظ أن الجواز لا يكون شيئا شخصيا فحسب.
عندما كان البطل في الطريق إلى شقته اتصلت به والدته، أرادت أن تعرف متى يسافر لكي تُعطيه “زعتر” ليأخذه إلى لندن لكي يعطيه لزوجة ابن بنت خالة والده. يجيب البطل أمه بقول يشدد تعدد الهويات الفلسطينية: “زعتر؟ شو بعدنا بزمن النكبة يما؟” (58) أي أنّ هذا التقليد ينتمي إلى الماضي وإلى جيل ليس جيله فتغيرت العادات والهوية الفلسطينية معها.
ليس في كتابات حليحل تصريحات بسيطة أو برنامج سياسي واضح يطرَحُهُ الكاتب بل يتكون هذا الموضوع في طُرق غامضة وغير ملحوظة ما يُشير إلى إبداع ناضج وخَصِب يُثير تفسيرات متشعَّبة
عندما يبحث البطل عن جواز سفره يصادف صديقة له تدعوه إلى مظاهرة ضد الحرب وضد موقف إسرائيل ولكنه يرفض أن يشارك في “التأثير الشعبي” لكي يبحث عن جواز سفره (61) ثم شارك في المظاهرة بسبب تأنيب ضمير، أيْ ليس لاسباب سياسية بحتة. السياسة دائما في خلفية هذا السرد وهي تؤثر على الأحداث طوال القصة، ولكن كما يظهر، مظاهرة وهوية “سياسية” ليست في سلم أفضليات البطل، فهو يهتم في قضيته الشخصية مع أن الحوادث السياسية وهويته الفلسطينية تتداخل مرة بعد الأخرى في رحلته الشخصية، سواء الرحلة إلى لندن أم التجوال في شوارع عكّا بحثا عن جواز سفره، فهذا يظهر في نهاية القصة عندما ينفجر صاروخ الكاتيوشا أمام بناية شقته، كأنّ علينا أن نفهم أنه ليس من الممكن الهروب من السياسة. ولكن في نفس الوقت هذا الحادث بالضبط يسلط الضوء على المفارقة (paradox) في كونه فلسطينيا في دولة إسرايئل: الصاروخ كاد أن يقتله، فصاروخ حزب الله لا يفرق بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل.
عدم التعايش
يظهر الإسرائيليون اليهود في القصة القصيرة “تعايُش” (أيضا من مجموعة الأب والابن والروح التائهة، 2008، بدون رقم صفحات) على شكل حاضر-غائب، ولكن في هذه القصة يظهر الصراع مركزيا لا سيما بسبب مركزية العمليات التفجيرية خلال السرد. فبالرغم من أنه ليس هناك شخصية إسرائيلية واحدة طوال القصة وإنما وجودهم محسوس. نرى ذلك عندما يجلس البطل في مطعم عربي: “…فاجأني صوت المذيع المتلفز يعلن عن خبر عاجل بعبرية سامية طلقة: إنفجار في حيفا!”. فالحضور اليهودي يتسلّل إلى عالم البطل من خلال الأصوات، سواء أكان مذيع التلفاز أو الصحافيون (الافتراضيون) الذين يتصلون لكي يتكلموا في موضوع التعايش بين العرب واليهود بعد كل عملية انفجارية في حيفا.
وإلى جانب هذا كله تشكل هذه القصة مثالا لتعدد المعاني السياسية. هذه القصة تَروي قصة صحافي حَيفاوي يريد الكلام مع قائد حَمساوي لكي يطلبَ منه إيقاف العمليات التفجيرية في مدينة حيفا. ولماذا؟ ليس فقط لان “حيفا مليئة بالعرب” فحسب، وليس بسبب الخوف على حياته فحسب، بل لأن بعد كل عملية تفجيرية يتصل به الصحافيون اليهود ليتكلموا معه عن “التعايش” في حيفا، أو بكلمات البطل: “لا أحب كل الأحاديث التي تدور بعد ذلك عن ‘التعايش’ بين اليهود والعرب في حيفا. “أكرهها كما أكره البحر ورائحتَهُ”. في نهاية الأمر لا يُرسل البطل هذه الرسالة – وحتى بعد التحرير وإعادة الكتابة ثماني مرات – بسبب الخوف من سوء التفاهم. هذا الامر يُوضِح الفجوة بين عرب 1948 والفلسطينيين الذين يسكنون في غزة. يكتب البطل في الرسالة: “إسمع، نحن عرب ونفهم على بعضنا البعض”. ولكن النص يبين أنّ العكس هو الصحيح. السرد يقوِّضُ الوحدة المزعومة بين الفلسطينيين المتشابهين – وعلى حد قوله – “على اختلاف مشاربنا ومذاهبنا وانتماءاتنا الجغرافية”. ولكن حقيقة عدم إرسال الرسالة بسبب الفجوة بينهم تدُلُّ على عدم التجانُس عند الفلسطينيين: “فقائدنا غَزّاوي وقد يكون مُغْرَما بالبحر والساحل، على عكسي، أنا الفلاح المتقاعد، سليل الجبال والوديان والتلال، مفتقر لأي رأسمال. وأنا بصراحة لا أريد أن أدخل في دوّامة النزاع الأزلي بين أهل الساحل وأهل الجبل…” هذا الاقتباس يشير الى التوتر وأنّ الهويات المتعددة ليست بالضَّرورة متّحدة، بل أكاد أزعم عدم التعايش الطبيعي بين عرب 48 والفلسطينيين في غزة.
هذه القصة توضّح هذا الوضع، فالبطل يكتب الرسالة وهو يجلس في مطعم. العملية البسيطة اليومية – وهي الأكل – تُصبح مشحونة بالكلمات التي تَذكر الحرب والتي تتلقى دلالة سياسية. فحتّى البصل في الشَطيرة يذكُر للبطل مُظاهرة شاركَ فيها “على أرض فلسطين التاريخية”. هو يَفطَرُ على حد قوله: “على طاجن من الحمص والفول … وفيما كنتُ منهمكا في ضرب الحصار المُحكم بقطعة خبز المحكمة على بقعة الزيت الخضراء المُضمخة بدم الزيتون فاجأني صوت المذيع المتلفز يعلن عن خبر عاجل بعبرية… : انفجار في حيفا!”. من المهم أنْ نلاحظ أن وصف وضع يومي في القصة يبدو كانّه حالة حرب، أعني أكل الفطور الذي يأخذ أهمية كبيرة في القصة لأنه يعبّر عن حالة الحرب وعدم التعايش وحتى في أصغر التفاصيل. إضافة إلى ذلك، فإنّ الجوع أيضا يعبّر عن الصراع بين الفلسطينيين واليهود، فيقتبس البطل بيتا من القصيدة المعروفة “بطاقة هوية” (التي صدرت في مجموعة أوراق الزيتون في 1964 للشاعر محمود درويش): “حذارِ من جوعي ومن غضبي!” كرَد على الصحافيين المزعجين. فهذه القصيدة ذاتها تشير إلى سياسة الهوية لعرب الداخل في فترة الحكومة العسكرية. من ناحية، هذه القصة تُشير إلى عدم الوحدة عند جميع الفلسطينيين ولكن في الوقت ذاته فمن خلال هذه الدلالة هي تبني الهوية الفلسطينية من خلال مرجع ثقافي مشترك لجميع الفلسطينيين. بهذه الطريقة حليحل لا يَعْرِض للقارئ رسالة متتابعة أو بسيطة بل يشير إلى تعقيد الوضع ويستعمل اللغة الفنية والإبداعية من أجل إيصال أفكاره.
الصراع الفردي في مصطلحات وطنية
تُجسّد قصة “السجادة” (من مجموعة قصص لأوقات الحاجة، 2003) التجاوب بين المجتمعين العربي واليهودي في دولة أسرائيل. هذه القصة مكتوبة على شكل رسالة من البطل (يصح أن نقول “مضاد-البطل”) الذي يروي لحبيبته السابقة عن رحلته التي كان هدفها باعة السجادة التي أهدتهُ إياها قبل هذه الرحلة بسنوات. القصة مروية بالمفارقة (irony) ففي الأساس يقول البطل “…أنا أبعث إليك بهذه الرسالة، لا لأطلعك على أموري، من باب الطمأنة والاطمئنان، وإنما لأقول لك فقط إنني بِعتُ السجادة الملوّنة التي اشتريتِها لي أكثر من أربع سنوات” (52) – ولكن يتضح أن حياته انهارت وأنه يريد أن يشاركها في حالته، فهو لا يملك نقودا لشراء الطعام أو تذكرة الباص (ولذلك يريد أن يبيع السجادة) وأنه في الواقع وإن كان لا يفصِح ما زال يحب الحبيبة هذه. علاوة على ذلك أراد أن يسلط الضوء على وجود اليهود في خلفية القصة وعن البيئة العامة في مدينة حيفا، فيها يسكن العرب واليهود. عندما ترنّح البطل “على الدرج الضيق” حاملا السجادة، والضجة أثارت غضب الجارة التي “صارت تبرطم بالروسية وتدفع سبابتها بلغة أُممية” (55). لا يشير النص إلى هذه الجارة مرة ثانية ومن المفروض أنها روسية يهودية تظهر في خلفية القصة، فهذا يدل إلى أن ليس كل إشارة إلى اليهود تقع على خلفية الصراع، فعدم الأهمية هنا هو المقصود: ليس لكل تلاقٍ مغزى سياسي بارز. إنما ال”صراع” الوحيد في هذا السرد هو ضد التاجر في سوق الخردوات عندما أدرك البطل: “أنني كنت أخوض معركة خاسرة” (56). تمت المفاوضات بينما كان التاجر يأكل “الخبز المغمسة بالتونا…” (56) “وهو يلتقط حبة الزيتون ويلقي بها إلى فمه بفرح سخيف” (57). لم يقل النص إذا كان هذا التاجر عربيا أم يهوديا – وهذه النقطة مثيرة للاهتمام في حد ذاتها، وممكن أن نقول إن الرمز الفلسطيني المعلوم وواسع الانتشار –وهو الزيتون – مقدّم بالسخرية لأنه قد يكون التاجر يهوديا بل وقد يصبح الزيتون شيئا مُقرِفا مما يسخَر من الرمز الوطني المبتذَل والمرهَق[4]. عندما يخرج السارد من الدكان بعد أن باع السجادة يلتقي بحبيب صديقته الحالي وثم “شعوري بالهزيمة أمامه لم يبرحني منذ أن أحتلّ مكاني” (59). مثير للاهتمام وصف الشعور بكلمة “هزيمة” فهذا يشدد على وجود “صراع” في هذه القصة ولكنه ليس “الصراع”، فهذا صراع الفرد في مجتمع معاصر وهو وحيد وجائع وفقير، وفوق هذا كله مُذَل ويشعر بالاغتراب الشديد. حبيب صديقته تركه وهو يشعر “بالمهانة أمامه وبالذل أشعر وبالهزيمة” (59) ويقرر البطل الرجوع إلى شقته فتنتهي القصة بالكلمات التالية: “وكانت قبالتي امرأتان عربياتان تبيعان الصبار لأبناء عمنا. أردت التوجه إليهما ولكنني انكفأت وعدت إلى الشارع الذي سيحملني إلى شقتي في أعلى السفح الكرملي” (60). هذه النهاية تجسّد المفارقة أو على الأصح أن أقول السخيف وغير المعقول في الوجود الإسرائيلي، فالنساء العربيات يبعن الصُبار وهو رمز وطني فلسطيني لليهود بالذات. يريد البطل ان ينتمي إليهن – ممكن بسبب الشعور بالقرب والهوية المشتركة، ولكن الشعور بالاغتراب يغلب عليه وهو يتجه شطر شقته وحيدا.
المذقون
يبرز في قصتَي “باسبورت” و”المذقون” (من المجموعة القصصية الأب الابن والروح التائهة، (2008) موتيف الحُدود وهو إحدى الميّزات البارزة للأدب الفلسطيني. في قصة “المذقون” قرّر البطل ان يُطيلَ لحيتَهُ، وقبل أن يمضي أسبوعان على هذا القرار قرر الذهاب من حيفا إلى تل أبيب بالقطار. فالسرد يركَّز على هذه الرحلة وتعليقات الناس في الحواجز المتعددة في طريقِهِ بما فيهم الحارس في مدخل المحطة والمُراقِب في القطار ورجل الأمن الروسي في مدخل جامعة تل أبيب. أَقْتبِسُ:
كان الحارس على مدخل المحطة أولَ من توجِّسَ من ذَقني رمقَني بنظرة يهودية خائفة، فرَمقُته بنظرة عربية خائفة متنكِّرة لنظرة عربية مُرتعِبة، فارتعب، قلتُ له في سري : يا حمار من زمان لم تَعُدْ الذَقن الطويلة مَثارا للخوف. ألا ترى صور إخوتي المتفجرين في الجرائد؟ يحلقون ويتعطرون ويلبسون ملابس إخوتِك الجنود أحياًنا، ليضحكوا على ذقونكم ولكنه لم يسمعني . طلب مني هَوِيتي. وهَوِيتي زرقاء… (46)
هذه الكلمات تُوضّح جوهر التجربة الفلسطينية في إسرائيل وفقا لقول الباحث رشيد خالدي في كتابه Palestinian Identity: The Construction of Modern National Consciousness. فقد أكدَّ الخالدي أن جوهر التجربة الفلسطينية يحدُث عندَ الحدود، في المطار على سبيل المثال، عند الحاجز عندما يختصُّ الفلسطينيّون بمعاملة “خاصة” (ص 1). لكلمة “هوية” أكثر من معنى في هذه القصة: المعنى الحَرفي: بطاقة الهوية، وهي زرقاء إسرائيلية والمعنى المجازي وهو أن البطل عبّر عن هويته نفسها عند مدخل المحطة، ويتمثلُ ذلك من خلال بيتٍ من القصيدة المشهورة للشاعر محمود درويش “مديح الظل العالي” عندما يقول البطل: “فقلت كما قال من قبلي: “وطني حقيبة سفرٍ”. إذاً هذه القصة تُعبّر عن مغزى الهوية الفلسطينية بالنسبة للعلاقة بين عرب 1948 واليهود، والشعور بالتهميش والحاجة للهوية. في المجتمع الفلسطيني لإطالة الذقن أكثر من معنى، فقد يدل هذا على التديّن.، كذلك الأمر لإطالة الذَقِن آثار سياسيّة – شئنا أم أبينا فهذا الأمر بالتحديد يُبيّن أنّ لكل شيء في حياة الفلسطينيّ معنى سياسيّا وحتى إطالة الذقن، فقصة “المذقون” ترمز إلى أن الهرب من السياسة شيء مستحيل، فمجرد وجود الفلسطينيين في دولة إسرائيل قضية سياسية.
سيرك الحياة وسخافتها
أنتقِلُ الآن إلى الرواية الأولى لعلاء حليحل “السيرك” التي صدَرت في سنة 2001 والتي تروي قصة الصعود والسقوط لفنان صغير اسمُهُ سميرالخالدي. سمير ناجح في مختلف المجالات: مهنيا، اجتماعيا وأيضا مع البنات. كما يوصَف في بداية النص: “محظوظ منذ الولادة” أيْ العكس تمامًا من سعيد أبو النحس المتشائل في رواية أميل حبيبي (1974).
يحبّه اليهود والعرب كذلك ولكن شيئا فشيئا ينهار كلّ ذلك. عندما يتكلم مع صديقتِهِ السابقة وهي يهودية اسمها عنات هي تقول له: “أنّ ما بيننا كان وهما جميلا”. فيروي سمير: “وقالت أيضا إن علاقتنا لم تكن لَتنجح أصلا لأنها يهودية وأنا عربي. فجأة تبخرت كل الأحاديث عن أهمية الجوهر والداخل مقابل الدين والقومية والاختلافات الاجتماعية ، وعن قدرة الحب على إذابة هذه الجواهر والتغلب على الصعاب التي يمكن أن تواجهنا. فجأة، …عدتُ لأُصْبِحَ عربيأ وعادت هي لتصبح يهودية” (67). هذا يكشف كيف تدخل السياسة في العلاقات الشخصية وتُدمّرُها.
شيئا فشيئا كل شيء في حياة سمير الخالدي يتدهور ويجد نفسه في نهاية الأمر وحيدا –أي يُصبِحُ مثل سعيد أبو النحس المتشائل. تحت سطح الأشياء يَربِض الاغتراب. الشيء المثير هنا أن الاغتراب موجود بين سمير واليهود وأيضا بينه وبين العرب الفلسطينيين حتى أصدقائه العرب. ترفض هذه الرواية عَرض صورة بسيطة أو رسالة بسيطة.
مع تعقيد الوضع يُشير سمير إلى الوضع السياسي بين الفلسطينيين واليهود بشكل واضح مرة وحيدة فقط طوال الرواية وهو يتحدث مع مديرته اليهودية. تقول المديرة: “هكذا أنتم لا تعرفون سوى التنازل” (66). “من نحن؟” يسأل سمير. “أنتم العرب”. “ربما كنتِ محقة في هذا الأمر. ولكن حتى أنت … هل كنت ستعيشين في راحة لو أننا لم نتنازل عن شيء؟” هذه المحادثة المباشرة تُشير إلى حالة التوتر التي يعيشها الفلسطينيون في دولة إسرائيل: التوتر بين الاستيعاب والاستغراب، بين الصمت ورفع الصوت، بين التمرد السياسي والعلاقات الشخصية مع اليهود، وكل هذا يشير إلى وضع يومي عادي مشحون باهتمامات سياسية بحُكمِ الضرورة. كما نرى في السطر الأخير للرواية “الأب الابن والروح التائهة” حيث يُذكَر اليَهود لأول مرة فقط في آخِر جملة للنص كله: “جاء اليهود! جاء اليهود!” وأما في قصة “هواء البحر” (من كارلا بروني عشيقتي السرية، 2011) يصفُ لنا الكاتب مشهدا غير سياسي تقضي فيها عائلة مسلمة محافظة يومها على شاطئ البحر. البنت تعاني من مراقبة أهلها وتعليق المستحمين اليهود في الوقت ذاته. ينتقد الكاتب معاملة المرأة في المجتمع العربي في إسرائيل وتخلو القصة من إشارات سياسية ومع ذلك فإنّ اليهود موجودون في خلقية الأحداث.
خلاصة
إنّ حليحل يصفُ وجود معانٍ سياسية حتى في أصغر التفاصيل ومع ذلك من الصعب أن نحدد معنى واحدًا ثابتًا وأيديولوجية مُبَلْوَرة أو بيانًا واضحًا وهوِية لا لَبْسَ فيها. في كتابات حليحل الابداعية يخلق الكاتب سياسة جديدة وجزئية تمثل اتجاهًا جديدًا في الكتابة الفلسطينية. في الكتابات هذه مزيج نادر من الجمالية ترتبط بالنقد الاجتماعي والسياسي. في حين أنّ قصصه تُردّد صدى مواضيع الاغتراب والمقاومة التي ميزت الكتابة الفلسطينية في مراحل تكوينها فصاعدا، فإنها تختلف عن الكتابة الفلسطينية من خلال رفض موقف واضح. قصصه تشمل الكتابة الفلسطينية التقليدية جنبا إلى جنب مع مراجع عربية من فترات ومناطق واسعة النطاق. يقوم حليحل بذلك من خلال الكتابة التي تتحدى المواقف الايديولوجية المجمدة أو المُسْبَقة، فهو يتناول القضية الفلسطينية من خلال اهتمام انساني يركز على الفرد. انطلاقا من هذا، فالوطن في عالم حليحل القصصي متنوع وغير متجانس، الزمن فردي وخاص، والرسائل مركبة ومواربة ولذلك تؤدي إلى العديد من التفسيرات.
د. أريئيل شيطريت نالت الدكتوراه في جامعة هارفارد (2007). محاضرة في الأدب العربي المعاصر في جامعة بن غوريون في النقب ومحاضرة في السينما الفلسطينية في الجامعة المفتوحة، وهي تكتب بحوثا عن هذين الموضوعين. المقال يعتمد على مداخلة قدمت في مؤتمر ” العربية لغة في عين العاصفة” بمبادرة مركز دراسات، المركز العربي للحقوق والسياسات ومعهد فان لير في القدس.
[1] “Yet after 1948 poets risked losing touch with the elusive notion of reality if they did not in one way or another speak about the homeland and about politics (siyāsa). Engaging with politics was an entry permit into the Palestinian poetry scene, and the only politics that seemed to make up reality during the 1950s and 1960s (and arguably the present) was that of liberation from colonialism. Toward this kind of liberation the poet had to move forward, so poetry could still matter and not be irrelevant” (Furani, 45).
[2] 180.
[3] http://m.assafir.com/content/1345249860972195900/Fi%20Assafir
[4] “In particular, the olive tree, which, as noted earlier, held substantial practical, emotional, and spiritual value for residents of pre-Zionist Palestine, has evolved into a symbol of rootedness, identity, and resistance. Critic Raja’ al-Naqqash notes that the symbolic use of the olive tree is appropriate to the Palestinian struggle.” Barbara Parmenter (1994), 74.
مراجع باللغة العربية
جابر، ع.، (2012). علاء حليحل: الأدب في حاجة إلى عناصر جذب وطرق جديدة. السفير. 18.8.2012.
حليحل، ع.، (2003). قصص لأوقات الحاجة: مجموعة قصصية. بيروت: دار الآداب للنسر والتوزيع،
—- (2008). الأب والابن والروح التائهة: رواية قصيرة وخمس قصص. القاهرة: دار العين.
—- (2012). كارلا بروني، عشيقتي السريّة: مجموعة قصصية. عكّا: كتب قديتا.
غنايم، م. (1995). المدار الصعب: رحلة القصة الفلسطينية في إسرائيل. كفر قرع: دار الهدى.
مراجع باللغة الانجليزية:
Darraj, F. (2006). Transformations in Modern Palestinian Literature. Translated by Michael K. Scott. Words without Borders. http://wordswithoutborders.org/article/transformations-in-palestinian-literature
Elsaesser, Th. (2008). Absence as Presence, Presence as Parapraxis. Framework 1: 106-120.
Furani, Kh. (2012). Silencing the Sea: Secular Rhythms in Palestinian Poetry. Stanford: Stanford University Press.
Khalidi, R. (2010). Palestinian Identity: The Construction of Modern National Consciousness. New York: Columbia University Press.
Parmenter, B. (1994). Giving Voice to Stones: Place and Identity in Palestinian Literature. Austin: University of Texas Press.
Said, E.(2000). Invention, Memory, Place. Critical Inquiry 26 (2):175-192.
Taha, I. (2002). The Palestinian Novel: A Communication Study. London: Routledge Curzon.
(نشرت هذه المادة في موقع قديتا بتاريخ 4 نيسان 2014)