الأب والابن والمستشار القضائي
علاء حليحل
في ميزان الشجاعة الجماهيرية، وفي مقارنة أولية، تخفّ كفة إلياكيم روبنشطاين، المستشار القضائي السابق للحكومة، في مقابل كفة المستشار القضائي الحالي، ميني مزوز، التي تتغلب على سابقتها بـ “نوك آوت” مجلجل- مع أنه منقوص.
فروبنشطاين كان مشغولاً بصبِّ جامّ “شجاعته واستقامته” القضائيتيْن على الأحزاب العربية- و”التجمع” على رأسها، ولم يكن لديه الوقت ليفتلَ عضلات “استقامته وشجاعته” في ملفات الفساد التي كان رئيس الحكومة الاسرائيلي، أريئيل شارون، بطلها غير المنازَع. حتى إنّ “شجاعة واستقامة” روبنشطاين وصلت حدّ البحث عن المُسرّبة في “قضية سيريل” عشية انتخابات 2003، وطردها من النيابة ووزارة القضاء.
وها هو مزوز يخطو خطوة أيجابية في تقديم عمري شارون للقضاء، تلتها خطوة سلبية إلى الخلف في إحجامه عن تقديم لائحة اتهام ضد شارون الأب، لأنه “لا إثبات على مسؤوليته التكليفية”. ويبدو أنّ مزوز لعب دور الله في أطروفة إبراهيم وإسماعيل (أو إسحق) حيث أجبر في قراره الأخير الأب شارون على التضحية بالابن شارون، على مذبح الفساد السياسي الاسرائيلي. المثير هو ما إذا كان مزوز سيأمر شارون الأب في اللحظة الأخيرة بالتوقف عن التضحية بولده!
من ظنّ للحظة أن مزوز هو الجواب الشافي على الفساد الاسرائيلي المستشري فقد أخطأ؛ مرحليًا على الأقل. فكما تنصل أيهود براك، رئيس الحكومة الأسبق، من مسؤوليته عن جمعياته في انتخابات 1999، ها هو شارون ينضم إلى قافلة المتنصلين.
للقائد السياسي مسؤولية جماهيرية قبل المسؤولية القضائية. وعندما “يَتَتَرتَح” رئيس الحكومة بادعاءات تعشش في المنطقة الضبابية القضائية، فهذا إعلان نهائي عن إفلاس السياسة الاسرائيلية. حتى في الأردن كان رئيس الحكومة سيستقيل في مثل هذه القضايا. ولكنّ “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” تخترع لها أنماطًا جديدة، في كل يوم جديد، وجماهير الشعب المختار غارقة في حملات التنزيلات على نهاية الموسم في المجمعات التجارية!
(نشرت هذه المادة في موقع ’عرب48’’ بتاريخ 18 شباط 2005)