أيه حكاية الألع اللي ماشيه في البلد اليومين دول؟؟
حدثتني صديقة عزيزة قبل نيفٍ من الأيام عن صديقة لها، كانت تلبس ما قلّ ودلّ من الملابس، وكانت تتبختر راضيةً مرضيةً في حيفا، إلى أن داهمها أحد الشباب العرب، من أبناء جلدتها، بالجملة الداعرة: “شو، شكلو اللحم رخصان هالأيامات”. فما كان منها إلا أن بادرته بالجواب المُخرس: “علشان لكلاب اللي زيك تشبع”… ومن هنا نبدأ: هل التقليل من الملابس في الصيف عند النساء، هو حاجة فزيولوجية لطرد الحرّ، أم أنه إعلان نسائي ببدء حملة الصيف السنوية، وهذه الحملة في صلبها هي تنافس حريمي على شد الأنظار، وجلب الأبصار؟ وماذا يقول كل ذلك عنّا، نحن معشر الرجال، الذين يأسرنا نهدٌ ناهدٌ يهمّ بالقفز في وجوهنا، من وراء قطعة القماش الصغيرة، المسماة تجنيًا بلوزة؟…
وتحضرني الآن، كمدخل للمقالة، رواية “بيضة النعامة” الرائعة لرؤوف مُسعد. (وهذا هو النداء الأخير للصديقة التي لم تُرجع الكتاب حتى الآن، على الرغم من المفاوضات طويلة الأمد، التي تضاهي في وتيرتها وحدتّها المفاوضات الأمريكية- الأمريكية بشأن ضرب العراق: أتوجه اليكِ بأن ترجعي الكتاب قبل أن أبدأ بالتبختر بالحوطيني تحت نافذتك! من يعرفني ويعرف تضاريس جسدي يعرف حقّ المعرفة بأن هذا تهديد خطير لكل شيء. البعض من المتطرفين سيقولون إن هذا سيكون مسًا جديًا بجودة البيئة.). وعودة الى الرواية. في “بيضة النعامة” فصل يقع تحت عنوان: “هل يمكن السير في مظاهرة، دون النظر الى أرداف من أمامك من النساء؟”. في هذا الفصل من الرواية يتطرق مُسعد الى قضية إشكالية ومصيرية من الدرجة الأولى: هل يمكن لنا، نحن الرجال، أن نتخلى عن النظر الى كل ما يمكن النظر اليه من أجساد النساء، حتى في المواقف “الجدية” وغير القابلة للتفكير بالجنس وخِلافو؟.. الجواب لمن لم يعرف بعد هو: كلا، لا يمكننا نحن الرجال أن نفعل ذلك. للنساء اللواتي لم يعرفن الجواب حتى الجملة الأخيرة أقول بشفقة: وين عايشات؟.. وللرجال ممن لم يعرفوا الجواب أيضًا أقول: يا حيف عَزلام!
شيء ما في تركيبة حدقات عيوننا، نحن الرجال، يدفعنا للنظر الى كل شيء مدور، أو شبه مدور، في اللحظة الأولى التي تتأتى فيها الفرصة لذلك. فالنظر سابق، كما قال العرب. والعرب الذين كانوا يقولون هم الرجال عادةً، ونحن نقتبس الذكور العربية الملتهبة، في كل مرة نقول: “قال العرب”. من هنا فإن مقولة “النظر سابق” هي مقولة ذكورية تهدف الى تبرير الاندلاق الذكوري المليء باللعاب، أمام المينيجيب أو الجابونيه أو “نصف البطن”. وكذلك، مؤخرًا، أمام السراويل الشفافة الملتصقة باللحم، التي تُبرز من تحتها ذلك الخيط الرفيع السّعيد الّسعيد السّعيد، الذي حلّ بدلا من الكلسون التقليدي، في مهمته الوطنية بحفظ السلام والأمن في المنطقة منزوعة الملابس، بين أعلى الفخذ الأيمن وبين أعلى الفخذ الأيسر. (الحديث عن “الحوطيني”، لمن لم ينجح في فك طلاسم الجملة التي حاولت أن تتحايل على دهاء المحرر وفطنته.).
أكاد أقسم أمامكم الآن أن أعين الرجال ليست كأعين النساء. فتكفي حركة واحدة الى الأمام، تقوم بها امرأة في مقهى أو في عرس، تود أن تُخرج أمرًا ما من جزدانها، لكي تدفع بكل العيون الذكورية في منطقة قطرها أربعة كيلومترات، الى داخل بلوزتها الخفيفة والفضفاضة بكرمٍ عربيٍ أصيل. لا تدري كيف. قد تكون مؤامرة ذكورية خفية، لا نعلم بها حتى نحن، ذوي الأرجل الثلاثة. وقد تكون هذه هبة من هبات الطبيعة لنا، لتحضّنا على التكاثر الدائم، أو على الأقل التناكح الدائم. فقد ينخزق الواقي المطاطي في إحدى المرات، وتتكلل محاولات الطبيعة لحضنا على التكاثر، بالنجاح والخصوبة. (لا أريد التطرق الى الحالة النفسية والوجودية التي تحل على الرجل بعد أن يسمع الكلمتين: “أنا حبلى”. لا أريد أبدًا. أولا، لأن هذا ليس موضوعنا في خطبة الجمعة اليوم. وثانيًا: لأنني لا أريد. لا أريد!! هل فهمتم؟.. شو يعني أنا حبلى؟ شو بتفهميش؟؟… هاي مؤامرة من إمّك!!).
صدقوني أن معضلة تكوينة العين الذكورية ليست بالهينة. سيكتشف العلم يومًا البراهين القاطعة بشأن نظريتي. فنظريتي تقول باختصار وببساطة: عيون الرجال كعيون الذباب. ترى في 360 درجة، الى الجوانب والأعلى والأسفل. أجل، أعزائي الرجال علينا أن نعترف بذلك (يُرجى من القارئات من الجنس الآخر أن يقفزن الى بداية الفقرة التالية، فالموضوع حساس قليلاً). علينا أن نعترف أيها الرجال بأن جسدنا هجين وخليط من أعضاء بهائمية عديدة. فعيوننا، كما أسلفنا وبرهنّا، هي عيون ذباب. رأسنا ينقسم الى حالتين. الحالة الأولى يكون فيها الرأس رأس ثعلب ماكر، شريطة أن يكون عضونا التناسلي غافيًا. في الحالة الثانية، حين يستيقظ العضو الماكر، ينتقل رأسنا الى حالته البيولوجية الثانية: رأس بعوضة. أكتافنا هي أكتاف ثور عنيد، يكسّر قيوده بعنفوان لكي يثبت وجوده ويحقق أهدافه الأسمى في الحياة (ينكح بقرته). أيادينا أيادي قرود، طويلة وتصل الى المكان المناسب في الوقت المناسب (وقت القطيعة). أرجلنا كأرجل الحصان، تطير بنا مسرعةً في أعقاب الفتاة التي مرت من هنا الآن، “وكانت تلبس المينيجيب”. كما أن أذنينا كأذني حمار الوحش: يقظتان ومتهيبتان في كل لحظة، لاصطياد أول ضحكة فيها بوادر الرقاعة. وعن ذلك الشيء فحدث ولا حرج. فهو يشبه كل الأشياء عند كل الحيوانات قاطبةً. يعمل بنفس الطريقة، يدخل في نفس الأمكنة، شامخٌ منتصبٌ همته عالية (حتى سن الثلاثين)، والأهم، أنه يتمتع بحكم ذاتي ثقافي، لا علاقة لنظامه بالمنطق أو بالحكمة!
يمكن للنساء أن يعُدنَ الى القراءة من هنا: إذًا، وكما رأينا حتى الآن، فإن معضلة الملابس الصيفية النسائية (ومن هم من أصحاب النزعات النسائية) غير هينة بالمرة. فيمكن للنساء أن يدّعيْن بسهولة وبكثير من الاقناع أننا، يعني الرجال، خفيفو العقل وسهلٌ جدًا إغراؤنا بالقليل من السنتيمترات اللحمية. وهنّ، بدافعٍ من البقاء، يلعبن على هذا الوتر، لنبقى في موضعنا الطبيعي بالنسبة لهنّ (من يستطيع تحديد ملامح هذا الموضع فليتصل بي فورًا!!). هذه ادعاءات لا غبار عليها. فيجب علينا نحن الرجال أن نتوقف عن الانصياع لأوامر الحوطيني وأمثاله من الساقطين، وأن نستخدم عقولنا من مرة الى أخرى (يُرجى من النساء تركنا للحظة. حسنًا، إسمعوا يا شباب.. هذا الادعاء للنقاش فقط. لا تخافوا.. لن يجبركم أحد على استعمال عقولكم.. خلص اتكلوا عليّ!!). عُدنَ أيتها النسوة الآن: فنحن إذا برهنّا لسليلات أمنا حواء الداشرة، أننا لا نخضع لاملاءات الغرائز والجسد، فإننا سنحقق إنجازًا تاريخيًا منقطع النظير. حتى أنه سيصبح بإمكاننا بعد هذا الانجاز أن نتزوج عن اقتناع وليس عن فشّة محنة. هذا مضمون ومفحوص مئة بالمئة في المجتمعات الأخرى التي تسبقنا بثلاثة عشرة ألف سنة فخذية. ثم تعالوا لا ننسى أن جسد المرأة ملكها، ومن لا يعجبه ذلك يمكنه أن يغلق على نفسه الباب وألا يخرج من البيت. يمكنه أن يشاهد أفلام السكس طيلة اليوم، فهذا أضمن للبشرية.
ولكن من جهة أخرى يمكن للرجال أن يدّعوا، وبكثير من الاقناع، أن التعري في الصيف هو إعتراف نسائي وبرهان لا يحتمل التشكيك، في أن النساء لا يفكّرنَ إلا في منظرهنّ، ويستغللن الشهوات والغرائز للأيقاع بالرجال، والأهم من كل ذلك، ليُباعصْنَ صديقاتهنّ ومعارفهنّ من ذات الجنس (إخص، لعنة الله على حواء). وبالتالي فهنّ أحط منزلةً منّا، نحن الرجال، الذين نبصبص ونندلق، لأننا على الأقل صادقون في أفعالنا، ولأننا نستغل طيابة صدورهنّ- عفوًا، قلوبهنّ. وهذا إدعاء فتاك لا مينيجيب عليه. ولكن، حتى لو تبنينا هذا الادعاء الذكوري بحرارة منقطعة الكلسون، تبقى الاشكالية قائمة: أين الكرامة؟ ثم أين المنطق في الادعاء أننا “نأخذهنّ على قد عقولهنّ”، بينما نفقد عقولنا في هذه الخطة المُحكَمَة؟… فكيف نسمح لهنّ بأن يُثرْنَنا ويَشدُدْننا من…. أنوفنا؟.. (كان من المفروض أن أكتب كلمة أخرى أكثر تعبيرًا، ولكنني تماديت كثيرًا اليوم، وهذا يكفي. عليكم انتظار الزاوية في الأسبوع القادم. سيكون فيها جنس أيضًا، ومعلومات عن مراكز بيع وتوزيع الماريحوانا في الوسط العربي، مجانًا لقراء “الناس”).
لقد تيقنتم بالتأكيد من أنه لن نحل هذه المعضلة في هذه العجالة. الموضوع شائك جدًا، ومعقد، على عكس الملابس التي دعت الى كتابته. وفي نظرة أخرى، تبدو إثارة الموضوع ضربًا من ضروب العبث، إذا سُمح لي القول. فالطبيعة البشرية (الذكورية أم الأنثوية؟) لا تترك مجالا للمنطق أو للتحليلات الباردة (على الرغم من أنني لم أشعر بالبرودة للحظة واحدة عند كتابة المقال). أنا من المؤمنين بأن الطبع يغلب التطبع. من دون أن يكون بمقدورنا تفسير الأمر، إلا أن النساء سيستمْرِرْنَ في خلع الملابس في الصيف، وسيستمر الرجال في الانهراق زرافاٍت زرافاتٍ، وراء ظهر مكشوف، لونه بني، مسفوع بالشمس الملتهبة، يحمل فوقه عنقًا برونزيًا يحتضنه عقد أزرق يتمادى الى صدر بارز يطغى على البلوزة البيضاء التي لا تخفي أكثر مما تفضح، نزولاً الى البطن الدعجاء، التي… إحم. عفوًا. المهم أن هذا الصراع بين قلة ملابس النساء، وقلة عقول الرجال، سيبقى محور حياتنا الصيفية، إلى أن تنجح “القاعدة” في احتلال فلسطين التاريخية وبسط هيمنتها على البلاد. ولكن عندها سيفقد الرجال عقولهم بالفعل. ليس بسببٍ من شُح الملابس، بل على العكس، لكثرتها. في الحالتين، الرجال يفقدون عقولهم. فقولوا لي بالله عليكم، أي الحالتين تفضلون، يا أسرى رجلكم الثالثة؟…
(نشرت هذه المادة في ضمن زاوية “ع الهدا” في مجلة “الناس”، 2002)