السيرك

چوول…

البرازيل ضد هولندا. التلفاز الصغير الموضوع في البار الصغير في أحد شوارع الهَدار المُنزوية استقطب كلّ الجلاس. لم يكونوا كُثُرًا. الساقية، شابتان بدا من عناقهما لبعضهما البعض والقبلات من مرة لأخرى أنهما مثليتان بما لا يقبل الشكّ؛ كهل تجاوز الخمسين منذ سنين؛ صحفي شاب في إحدى الصحف المحلية في حيفا تعرّف عليه مرة عن طريق عباس؛

تسجيل وقائع اللقاء

لم يمدّ يده لمصافحتها ولم يرافقها إلى الباب. “زقاقنا”، قالت. ما زالت تسميه زقاقنا. لم يذهب إلى هناك منذ وقت طويل. تُرى هل رمّموا الحيطان القديمة وعبّدوا الشارع الرّث؟.. عليه ألا يفكر كثيرًا في الليلة، فلديه الكثير من العمل والكثير من الجدالات والمشاجرات ليخوضها مع ادارة المتحف، حول التقليصات. ثم هو ليس بحاجة لذرائع لعدم التفكير فيها، هو لن يفكر فيها وفقط. حتى لو ظل يتطلع إلى رقصة ماتيس وظلّ في حيرة من أمره حول إذا ما كان عليه دعوتها إلى معرضه الحالي أم لا. هو ببساطة لن يفكر فيها…

الدال نقطة يتردّد

لدال نقطة ابن الزانية يحبّ إلقاء المحاضرات. تراه يندمج حتى الثمالة في الشرح والإعادة والإسهاب حتى لتخاله للحظات سينقضّ على مستمعيه ليهزّهم بعنف: ها، هل فهمت؟.. وبحسب معرفته الجيدة بالدكتور حكيم فإنّ ألذّ اللحظات عنده هي بداية الحصة. الدخول إلى القاعة المليئة بطلاب العلم ممّن يطمعون بلقب جامعي واحد على الأقلّ يعطيه نفس الشعور الذي ينتاب عارضة أزياء هيفاء تكون محطّ أنظار المئات والكثير من عدسات المُصوّرين. التباين في الشكل والارتفاع والجمال لا يترك أيّ مجال للمقارنة في هذا المنحى، ولكنّ المقارنة تكون مجدية في الحماس والانفعال والشعور بالأهمية.

عودة عنات

لا يذكر الكثير من فترة دراسته الجامعية في جامعة حيفا. الأشياء القليلة التي علقت في ذهنه تمُت بصلة لقسم الفنون وللفنانين الذين أحبّ أعمالهم بشكل خاص (هوكني، شيليه والفترة الزرقاء عند بيكاسو). وهو يكاد لا يذكر شيئًا من موضوع دراسته الثاني في الجامعة: علم الاجتماع. كل النظريات والبحوث التي تعالج التصرفات الانسانية والبيئية تبخّرت من رأسه وتنحّت جانبًا لصالح الكمّ الهائل من الأعمال الفنية التي كان عليه أن يتذكرها أثناء دراسته، للنجاح في الامتحانات

عباس لم يسافر إلى اليونان

بدا عباس شاحبًا بعض الشيء وهو يراجع بعض الأوراق خلف مكتبه في الجريدة. “لم أسافر”، قال رأسًا من دون إلقاء التحية في المكالمة الصباحية المبكرة صباح السبت. لم يستوعب سمير وجوده في الأريكة يحضن ليليان من الخلف. حتى صوت عباس…

الأمور تتأزّم

من السهل جدًا أن يعتاد المرء على أيّ شيء في حيفا. حتى الصيف الحار واللزج يتحول مع الوقت إلى خلفية محتملة لأشياء أخرى تمّ الاعتياد عليها هي أيضًا. الضجيج الهادئ في الهَدار مثلا؛ البنايات الشاهقة الحديثة التي احتلت مكان الأشجار في الكرمل؛ الحزن اللذيذ في الشتاء الخجول لتعكيره صفو الشاطئ؛ البحر… وربما تعود سهولة الاعتياد هذه إلى طبيعة المدينة. إلى تركيبتها الخاصة والمتميّزة. فحيفا في الأساس عربية.

عباس سيسافر إلى اليونان

صاح عباس غاضبًا وهو جالس في “المقهى الصغير” في السابعة مساءً من يوم الجمعة. كانت كل نشرات الأخبار في الراديوهات في البلاد تتناول “الكشف الخطير الذي تمّ على يد الصحفي عباس الجنوبي، عن قضية رشاوى وفساد لا مثيل لها في الشرطة الإسرائيلية”. القناة الثانية للراديو أجرت معه لقاءً مطولاً عن القضية والقناة الثانية للتلفزيون عرضت عليه الذهاب إلى نشرة الثامنة مساءً. عباس رفض

حُكّلّي بحُكّلّكْ

كانت على الآلة المُسجّلة ثلاث مكالمات: “هاي سمير، جولي تتكلم. اتصل بي إلى الفندق.. 6944588. على فكرة، الساعة التي قضيناها في غرفتي كانت عالمًا آخر (ضحكة قصيرة).. اتصل بي”؛ “سمير، أود رؤيتك. لقد جئت اليك صباحًا ولم أجدك. أنا أتكلم…

“الناقدة الفنية” تغادر غاضبة

رفع الدال نقطة رأسه عن الجريدة وتطلّع نحو سمير. كانا يجلسان في “المقهى الصغير” صباح الجمعة، الساعة الحادية عشرة. طقس أزليّ عند سمير. يوم الجمعة يجب أن يبدأ بالقهوة في المقهى الصغير، الجرائد، المعارف والأصحاب؛ البعض يأتي ليبدأ صباحه والبعض ينضمّ بعد إيقافه وهو يمرّ بالسيارة، وتُشغّل عليه كل الإغراءات الممكنة (“قهوة على حسابي”، “هل رأيت الجريدة؟.. عليك رؤيتها الآن”،

أميرة تغادر غاضبة

كان “المقهى الصغير” يخلو من الرّواد اللهم إلا من الرواد الدائمين الأزليين. اقتعدت جولي طاولة في الخارج على الرصيف واتضح من علوّ ضحكتها أنها شربت ما يكفي من البيرة. كانت في وسط رشفتها عندما رأت سمير يقترب منها فانتفضت.

“أيها الكاذب اللعين”، قالت بإنجليزية ركيكة، وأغرقت ضحكًا.

Load more