300 كلمة في اليوم (7): صورة أهليّة

حدّثني الرفيق رائف فقال: الفارق الأساسيّ بين العنف المبرَّر، الذي يمكن فهمه أحيانًا أو نقاشه، وبين الشرّ الخالص، هو الغاية من ممارسة العنف. فإذا كنت ستقتل رجلًا لمنعه من اغتصاب امرأة، أو كنت ستخوض معركة شرسة للدفاع عن أولادك، فهذا عنف يمكن تفهمه ونقاشه حتى مع السلاميّين. أمّا القتل من أجل المتعة، والقتل غير المبرّر، كقتل أسير حرب غير مسلح، أو أحراق قرية بأكملها لتهيئة مكان لجنود للعب كرة القدم- كلها تمثّل ما اصطلح على تسمية بالشرّ.

لا أعرف إذا كان العميد في الحرس الجمهوري الأسديّ، عصام زهر الدين، الذي قُتل الأربعاء الماضي، قد امتهن القتل من أجل متعته الخاصّة، أم أنّه كان يقاتل من أجل قناعة لديه بأنه يحمي بلده، ولكنّني أعرف أنّه كان يحبّ التقاط الصور له بجانب أشلاء الجثث. لن أخوض في نقاش المع والضدّ بخصوص مقاتلي نظام الأسد وحلفائه الأجانب المرتزقة، لأنّ ما يعنيني عادة (ككاتب) في مثل هؤلاء الناس: متى بالضبط ينتقل المرء من كونه جنديًا مقاتلًا لغاية أو هدف، إلى روبوت غريب لا يكتفي بتنفيذ الأوامر، بل يبدأ بالتلذّذ بها.

أصناف زهر الدين منتشرة في كل مكان، بين أوساط مقاتلي الأسد وبين معارضيه، في منطقتنا وفي مناطق أخرى. ولو صحّت التقديرات بأنّ الأسد نفسه هو من صفّى زهر الدين لاعتبارات سورية داخليّة، فإنّ هذا الروبوت يضحي مسألة مركّبة، فيها عنصر مأساويّ بشخصه هو أيضًا. تبلُّد الأحاسيس وقتل الفطرة البشرية في داخلك يجعلان منك رجلا حديديًا يضرب بالنار والرصاص بلا رحمة، لكن هل هناك خط أحمر في هذا التبلّد عليك ألّا تتجاوزه؟ كأن تبدأ بالتحوّل إلى نموذج مقاتل يهدد أخ الرئيس، أو يعيق تقدمًا دبلوماسيًّا في أوروبا؟

أخال دائمًا أنّ الحروب الأهليّة تدمّر النفس البشريّة أكثر بكثير من حروب الغرباء. أنتَ بحاجة لكميات كبيرة من الحقد والخوف والرغبة بإذلال الآخر لترفع بندقيّة في وجه ابن بلدك. الحروب الأهليّة هي التربة الأكثر خصوبة لنموّ أشخاص مثل زهر الدين وغيره، وهي الديكور الأمثل لالتقاط الصور مع الجثث.  

(لتدوينات الـ “300 كلمة” السابقة)

 

 

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *