300 كلمة في اليوم (25): عن دحدوحي والشعور بالذنب

ما الذي يحدث فينا عندما يمرض أحد الأولاد؟ كيف ينشطر القلب مع كل سعلة ويتوقف النفَس مع كل “شحطة” في ميزان الحرارة؟

دحدوحي مريض. أعتقد أنّه الآن واحد من مئات ملايين الأطفال في العالم ممّن سيمرضون هذا الشتاء. إنفلونزا خفيفة أو ثقيلة، “ﭼـريـﭖ” بغيض وكريه يشلّ الجسد ويجعل من رفع الرأس مهمة عسيرة على أيّ بالغ- فما بالك بطفل في الرابعة؟ الغريب أنّني أشعر بالذنب الآن بسبب فيروس اعتدى عليه. لماذا أشعر بالذنب؟ هل نكون أهملنا في الحرص على أن يغسل يديه بوتيرة مُرضية؟ هل أرسلناه إلى الروضة ونحن نعرف أنّ أطفالًا مريضون فيها؟ هل نمنا الليلة بطولها من دون أن نستيقظ على بدايات سعاله؟ لا يهمّ ما السبب: الشعور بالذنب يرافقك كلّ لحظة. وفي هذه اللحظة المتعبة تدرك ما كانت تقوله أمك فوق فراشك وأنت صغير: “أنا ولا إنتي يمّا”…

حزن بطيء يتسرّب إلى البيت. تخفّ الحركة، تنخفض الأصوات من دون أن يطلب أحد ذلك. تقترب الطاقة من الصفر، ويصبح الابتسام مَدعاةً للذنب. كيف تبتسم وابنك يغالب 39.3 درجات مئوية؟.. لكنه مجرد رشح أو “نُزل” عابر. أنتَ تعرف ذلك، متأكد منه، تستطيع أن تُراجع عشرات المرات التي رأيت فيها العوارض في عائلتك منذ الطفولة. لكنه ابنك/ ابنتك؛ “الدرايـﭪ” الأكبر الذي يشدّك من السرير كلّ صباح. الحبّ الذي كان مكتوبًا لك في سُدرة المنتهى، هناك، قبل بدء الكون. وهذا الحبّ مريض الآن، يسعل ويستيقظ من مرة لأخرى يبكي، يتحرّك في السرير متضايقًا ويتقلّب بلا حيلة… يشعر بالبرد وهو يتعرّق. وأنت تشعر بالذنب لأنّك لم تدرس الطبّ والأبحاث البيولوجيّة ولم تخترع بنفسك الدواء الشافي والقاتل لهذه الفيروسات التافهة.

دحدوح طفل “مع كارَكْتِر”. مستقلّ، عنيد، قويّ، يعرف كيف يكون وقحًا أحيانًا وكيف يكون أمهر كوميديّ في البلد. تتنقل باطراد مع أمزجته سريعة التقلب، وتحتضنه بقوّة مقبلًا إياه بشراسة بعد أن وبّخته بغيظ قبل دقيقتيْن. وهو الآن نصف نائم، نصف بردان، نصف متعرّق. وأنتَ لم تخترع ذلك الدواء اللعين لهذا المرض الشتويّ العابر!

(لتدوينات الـ “300 كلمة” السابقة)

تعليقات (0)
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *